د. رائد العزاوي يكتب: قراءة فيما بعد قمة بغداد للتعاون والشراكة
كان يوم الـ 28 آب أغسطس الماضي، يومًا استثنائيًا في تاريخ العراق الحديث، إذ استضافت العاصمة العراقية، “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”، بمشاركة العديد من الدول العربية والإقليمية، وبعض المنظمات الإقليمية والدولية.
لم يكن حدثًا وحسب بل كان حالة من تجديد الثقة بقدرة العراقيين على ان يكونوا فاعلين في محيطهم الإقليمي، ورغم ان البيان حمل، تحديدًا واضحًا لمواقف المشاركين من القضايا والملفات التي جرت مناقشتها، فإنه حمل أيضًا رؤية استراتيجية مهمة لما بعد قمة بغداد، وفي المقدمة منها قضية استقرار العراق وتجنيبه مخاطر وتداعيات التوتر الإقليمي، والتأكيد على أهمية التنسيق بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لمواجهة الإرهاب والتطرف.
أن قمة بغداد يمكن القول أنها قمة “استعادة الدولة العراقية” كان هو شعار الذي رفعه المشاركون في مؤتمر “قمة بغداد”، وذلك من خلال إعادة الاستقرار والأمن وتقوية أجهزة الدولة ومؤسساتها.
فمنذ تولي السيد مصطفى الكاظمي رئاسة الحكومة العراقية، في مايو أيار العام الماضي، وهو يحاول جاهدًا تغيير المشهد العراقي داخليًا من إزالة التراكمات الذي سببه الاحتلال الأمريكي في عام 2003، وخارجيًا من خلال إعادة التوازن الذي افتقده بفعل التدخلات الإيرانية، وأحيانًا التركية في العراق، وحتى الدولية ولو من بعيد.
العراق شأنها كشأن كل الدول، التي تسعى إلى التعافي من التفكك والانهيار الناجم عن احتلال أو هزيمة عسكرية أو كارثة كبرى، فهو يفتقد إلى مقومات كثيرة لبناء الدولة ذاتيًا، وتحقيق حد أدنى من الاكتفاء والحصانة في مواجهة ضغوط وابتزازات بعض الدول.
ومن هنا، أدركت الحكومة العراقية الحالية أن مواجهة التدخلات الخارجية والأزمات الداخلية، تستلزم دعم العلاقات مع بعض الأطراف الخارجية، وذلك تبلور في موقف عام من قادة ورؤساء الدول المشاركة بمؤتمر بغداد، كان أساسه الاتفاق على عدم تحويل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول المتصارعة في الإقليم.
عكس “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة”، عمق الارتباط بين الجوانب المختلفة في العراق سواء سياسة واقتصادية وأمنية وديمغرافية، كما جسد نموذجًا لترابط السياق الداخلي مع الاقليمي والدولي.
وظهر هذا بمنتهى الوضوح في شمولية القضايا التي تناولتها القمة، وما شهدته من لقاءات ومباحثات جانبية.
فنجد أن الصيغة المقترحة لفكرة المؤتمر كانت محددة النطاق في دول الجوار العراقي باعتبارها الدول المعنية مباشرة بأوضاع العراق وتطوراته والبحث عن استقرار العراق ومستقبله، بدا واضحًا من خلال المشاورات والتحضيرات التي سبقت عقد المؤتمر في بغداد،
كما أكدت القمة على أهمية استقرار الإقليم ككل. وإلى توسيع نطاق المشاركة وضم أطراف قد لا تجاور العراق حدوديًا، لكن لها تأثير في شؤونه، ومنخرطة ولو بشكل غير مباشر في قضايا وملفات يعد العراق طرفًا أصيلًا فيها.
مؤتمر قمة بغداد بما تضمنه من نقاشات ومواقف علنية، أعطى زخمًا للحراك والتنسيق الإقليمي والعالمي باتجاه ترتيب الأوراق وسد الثغرات القائمة والمتوقعة على الساحة العراقية، والحيلولة دون محاولة أي طرف استغلال انحسار الوجود الأمريكي المباشر للوجود ماديًا أو بالنفوذ وأدوات التأثير، سواء في العراق أو في غيره من النقاط الحرجة القابلة للتأزيم أو المتأزمة بالفعل في الشرق الأوسط.
بينما أكدت الدول المشاركة في مؤتمر بغداد على مساندة العراق والعمل على إحلال استقرار والأمن الداخلي، وهذا لم يكن ظاهرًا في البيان الختامي ولكن تم الإعلان عنه من معلومات حولل المناقشات الثنائية التي دارت بين قادة وروساء الدول المشاركة بالمؤتمر.
وكان لخطاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أثر كبير في نفوس الشارع العراقي وكل القوى السياسية التي اعتربت أنه الخطاب الأكثر وضوحًا دعمًا للعراقين، في المقابل تبنت كل من الإمارات والسعودية دعم العراق من خلال مشروعات تنموية، سيتم تنفيذها بالبلاد لتساعد على تعافي الإقتصاد العراقي واستنهاض مقوماته الداخلية وتحسين الأوضاع المعيشية للعراقيين؛ كما ركزت مواقف كل من مصر والأردن وفرنسا على المنظور السياسي لاستقرار العراق واستعادة حكومته قوتها وحضورها داخليًا وخارجيًا.
كما تطرقت دول أخرى إلى تحديد نقاط بعينها كأولوية لديها سواءً فيما يتعلق بدعم العراق أو مواجهة التهديدات العابرة للحدود كالإرهاب، بل وكذلك ما يتعلق بضرورة وقف التدخلات الخارجية.
لقد نجح السيد مصطفى الكاظمي وحكومته العراقية، في أنجاز انعقاد مؤتمر بغداد وإخراجه بهذه الصورة، سيساعد في عملية إعادة تموضع الدولة العراقية في الإقليم كنقطة ارتكاز مهمة، والتي ربما لم تسع الحكومات العراقية السابقة إليها بالحماس والحنكة نفسيهما. وكان العراق تحت قيادة الكاظمي قد بدأ إعادة التموضع بالانفتاح إقليمياً على الدول العربية بشكل خاص.
وتاسيسا على ذلك فأن مؤتمر بغداد يفتح الباب أمام انتقال السياسة العراقية تجاه دول المنطقة إلى مرحلة أبعد من تحقيق التوازن بين مختلف الأطراف والانفتاح مجددًا على الحاضنة العربية، وهي مرحلة أن يلعب العراق دور العامل التجميعي والتحول من ساحة داخلية للتنافس وتنازع النفوذ بين قوى خارجية متصارعة، إلى منصة إقليمية للتفاهم والحوار.