الفكر الوهابي.. بين العقيدة والسياسة
الدعوة النجدية أو الوهابية، مصطلح أطلق على حركة إسلامية سنية قامت في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري، الموافق للثامن عشر الميلادي على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792)
تحالف الأمير محمد بن سعود مع محمد بن عبد الوهاب لنشر الدعوة السلفية التي قامت على إثرها الدولة السعودية الأولى والتي سيطرت على شبه الجزيرة العربية وأجزاء من العراق والشام واليمن.
وقد كانت بدايتهما في الدرعية بنجد إذ أعلن محمد بن عبد الوهاب مواجهة من وقف ضد دعوة التوحيد وروّج مظاهر الشرك واستغلال العامة، وبيان الحق لهم وإقامة الحجة عليهم؛ فشن سلسلة من الحروب تكللت بتوحيد أجزاء واسعة من شبه الجزيرة العربية، إقامةً لدولة التوحيد والعقيدة الصحيحة وتطهيراً لأمة الإسلام من الشرك.
الوهابية.. والعثمانية
في عام 1818 حاصرت القوات العثمانية بقيادة إبراهيم باشا عاصمة الدولة السعودية الأولى ودمرتها فيما عرف بالحرب السعودية العثمانية، إلا أن الوهابيين وآل سعود أسسوا دولة سعودية ثانية على يد الأمير تركي بن عبد الله بن محمد توسعت بشكل محدود على عكس سابقتها غير أنها سقطت بسبب الصراع والحروب الداخلية عام 1891م، ثم قامت الدولة السعودية الثالثة من جديد في أوائل القرن العشرين حاضنة ووارثة للدولة السعودية الأولى والثانية في علاقتها مع الدعوة الوهابية، تحت قيادة عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة العربية السعودية.
الفكر الوهابي
يرى دعاة الوهابية أنها جاءت “لتصحيح الأوضاع الدينية الفاسدة والأحوال الاجتماعية المنحرفة” في وسط الجزيرة العربية برأيهم، وأنها تنقية لعقائد المسلمين والتخلص من العادات والممارسات التي انتشرت في بلاد الإسلام وتراها الوهابية مخالفة لجوهر الإسلام التوحيدي مثل التوسل، والتبرك بالقبور وبالأولياء، والبدع بكافة أشكالها. ويصفها أتباعها الأصوليون بأنها دعوة إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والرجوع إلى الإسلام الصافي، ويصفون محمد بن عبد الوهاب بمجدد الدين في القرن الثاني عشر، وأن منهجها هو طريقة السلف الصالح في اتباع القرآن والسنة.
أصل التسمية
جاءت تسمية “الوهابية” بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسها الإمام محمد بن عبد الوهاب، والتسمية بحدّ ذاتها يرفضها أتباعها لاعتقادهم بأنها دعوة إسلامية وأن ابن عبد الوهاب لم يبتدع مذهبًا جديدًا في الإسلام لكنه كان يدعو إلى ما كان عليه الصحابة والأئمة الأربعة من اتباع القرآن وسنة رسول الله؛ لذا فإنهم يفضلون تسميتهم بالدعوة “السلفية” نسبة للسلف الصالح، أو اسم “أهل السنة والجماعة”
باعتبارهم من وجهة نظرهم مصطلح أهل السنة والجماعة كمصطلح تاريخي له أهميته تتمسك به الصوفية .
المنهج السلفي أو الوهابي
واستقى عقيدته ومنهجه منهم ، وهو ـ في ذلك ـ لم يفعل سوى تجديد الدعوة إلى عقيدة هؤلاء الأئمة العظام التي آمنوا بها وجهروا بها. عندما انطلق الشيخ محمد بن عبد الوهاب في دعوته كان ذلك لنشر الدعوة السلفية وتنقية لعقائد المسلمين مما شابها من الشرك والبدع والخرافات المخالفة لجوهر الإسلام؛ ولذا فقد كان جل تركيز دعوتهم على:
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إنكار الشرك والدعوة إلى التوحيد الخالص بمحاربه التوسل والتبرك غير المشروع.
إنكار البدع والخرافات كالبناء على القبور واتخاذها مساجد والموالد البدعية.
أثبات أسماء الله الحسنى وصفاته العلى من غير تأويل ولا تحريف ولا تشبيه ولا تكيف ولا تمثيل.
حاولت الحركة إعادة العقيدة الإسلامية إلى ما كان عليه الرسول وأصحابه مما عرضها لمصادمة كبيرة مع من حولها ممن يرون صحة ممارساتهم وعباداتهم من القبائل والإمارات والأعراب، إلا ان قائد هذه الحركة الإصلاحية تحالف مع آل سعود الذين آمنوا بصحة الحركة وجوهرها فحمتها وآوتها ونصرتها حتي فرضت نفسها علي شبه الجزيرة العربية وآمن بها الكثير من المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها.
تحالف بن عبد الوهاب مع ابن سعود
في عام 1157 هـ في بلدة الدرعية تعاون محمد بن عبد الوهاب مع أمير نجدي اسمه محمد بن سعود – مؤسس الدولة السعودية الأولى – على شبه حلف ديني سياسي فبايع محمد بن عبد الوهاب الأمير محمد بن سعود على السمع والطاعة وكان هذا سببًا أساسيًّا لنجاح الحركة فقد وجدت رعاية سياسية وحماية عسكرية، وبايعه الأمير محمد على نشر دعوته إذا استتب الأمر له، واشترط محمد بن سعود في مبايعته للشيخ أن لا يتعرض له فيما يأخذه من أهل الدرعية مثل الذي كان يأخذه رؤساء البلدان المختلفة على رعاياهم، فأجابه محمد بن عبد الوهاب على ذلك رجاء أن يخلف الله عليه من الغنيمة أكثر من ذلك.[23][24] وجعل محمد بن عبد الوهاب ينشر دعوته بين الناس، فكثر المؤيدون لها وزاد المعتنقون لمبادئها وانتشرت في أرجاء شبه الجزيرة العربية وخارجها نتيجة نشاط الشيخ ومكاتباته التي ارسلها في جميع أصقاع العالم الإسلامي، فقد راسل علماء مصر والشام والهند، وانتشرت حلقات العلم وانتقل كثير من طلبة العلم للدرعية للدراسة علي يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأصبحت الدرعية مركزا للعلم الشرعي والدعوة لله ونشر عقيدة التوحيد وانتشرت مولفات الشيخ وكتبه وكتب طلبته في سائر نجد، وكاتبه كثير من علماء العالم الإسلامي وأيدوه ونشروا كتبه.
الجزيرة العربية فى ظل الوهابية
بعد أن دارت معارك واسعه من قبل السعوديين مع العثمانيين، وتم توحيد الجزيرة العربية تقريباً تحت سيطرتهم، تم استعادتها من خلال الجيوش العثمانية التي أرسلها والي الدولة العثمانية بمصر محمد علي باشا بأمر من السلطنة العثمانية وبقيادة ابنه إبراهيم باشا، وظل الجزء المسيطر عليه من الجزيرة تحت القيادة العثمانية حتى تراجع محمد علي باشا عن كل ما سيطر عليه في أواخر عهد محمد علي بعد الحرب بينه وبين العثمانيين والتي أنتهت بهزيمته رغم اقترابه من الأستانة، بسبب التدخل الأوروبي لصالح الأستانة.
عودة الدولة السعودية
سرعان ما تمكن السعوديون من تنظيم انفسهم وترتيب صفوفهم، وبذلك حققت الوهابية انتشارا واسعا بعد أن تبناها محمد بن سعود كمذهب لحركته التي سرعان ما سيطرت على معظم شبه الجزيرة العربية مما أدى إلى انتشار دعوتهم في الجزيرة العربية وبعدها انتقلت أفكارها إلى بلدان أخرى، حيث تأثر بها بعض علماء مصر والشام والعراق وغيرها من البلدان القريبة.
الوهابيةو السياسة
يتبنى أتباع الوهابية فكرة الدولة الدينية ويرون أن الدولة لابد أن تُحكم بالشريعة الإسلامية ويطبقون ذلك من صوت خلال بعض الآليات منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث تأسست هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمملكة العربية السعودية الحديثة، أتباعها هم طائفة من الموظفين المدنيين يجوبون الشوارع ويفرضون ما يعتبر في باقي البلدان الإسلامية بأنه خيار شخصي، وإن كانت قد تفاوتت درجة فرضهم للعبادات والأخلاق حسب الحقبة، حيث بالرياض قديماً إذا مر أحد المطوعين بجانب منزل وشم رائحة تبغ كان لا يتورع عن اقتحام المنزل وضرب المدخن لانتشار الجهل آنذاك، أما الآن فقد اقتصر عملهم على حدود أضيق مثل اغلاق المحلات أوقات الصلوات ويعتبر السلفيون نظام الهيئة الحالي هو التطبيق الأمثل .
انتقادات للفكر الوهابي
تعرّضت الدعوة الوهابية منذ ظهورها للنقد من قبل الكثير من خصومها، ومن هؤلاء الذين انتقدوها سليمان بن عبد الوهاب وهو أخو محمد بن عبد الوهاب (مؤسس الدعوة الوهابية) في كتابه إلى حسن بن عيدان، وكان الكتاب بدون عنوان إلا أنه طبع فيما بعد تحت مسميات كثيرة منها “الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية” وذكر بعضهم الكتاب باسم “فصل الخطاب في الردّ على محمد بن عبد الوهاب”، وقد سمّاه محمد بن حميد الحنبلي “السّحب الوابلة على ضرائح الحنابلة”، وهو موجودٌ بهذا الاسم على بعض المخطوطات لكنها متأخرة نسبيًا، وفي المكتبة الأزهرية نسخة مخطوطة من الكتاب تحت عنوان “الردّ على منْ كفّر المسلمين بسبب النذر لغير الله والاستغاثة بغيره ونحو ذلك”، وهناك نسخة أخرى بالعنوان ذاته في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد. انتقدها كذلك أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية في مكة في كتابيه “فتنة الوهابية” و”الدرر السنية في الرد على الوهابية”،
تحريم البناء على القبور وزيارتها : اعترض خصوم محمد بن عبد الوهاب عليه وعلى أتباعه من بعده بأنهم يهدمون الأبنية على القبور، كما يهدمون القباب التي على الأضرحة والمشاهد، ويمنعون تجصيص القبور وكسوتها وتزيينها، ويرون النهي عن شدّ الرحال لزيارة القبور
تزوير التراث: بحذف وتغيير ما كان يخالف منهجهم من كتب التراث الإسلامي التي لا يستطيعون منع دخولها للسعودية لأن عامة المسلمين يحتاجون إليها، مثل ما فعلوا في كتاب الأذكار للنووي، وحاشية ابن عابدين الحنفي، وحاشية الصاوي على تفسير الجلالين، وحذف الجزء العاشر في بعض النسخ من الفتاوى لابن تيمية وهو الخاص بالتصوف .
قتال من يقولون عنهم أنهم “معادون لأهل التوحيد” وأخذ أموالهم وأمتعتهم بدعوى أنهم مشركون حيث يقول المؤرخ ابن بشر: وكان قد أقام هذا الحرب نحو سبع وعشرين سنة. وذكر أن القتلى بينهم في هذه المدة نحو أربعة آلاف رجل1907. وهذا القتل وأخذ الأموال قد امتلأت به كتب التاريخ لابن غنام وابن بشر المؤرخ السعودي النجدي الحنبلي محاربة الامبراطورية العثمانية، حيث سعى محمد بن عبد الوهاب لإقامة مذهبه بالقوة والسيف، فاستولى على قسم كبير من الجزيرة العربية، وهاجم الكويت وساحل عمان ودمشق وكربلاء والنجف.
وأخُذ عليهم أيضاً هدم الشواهد والآثار النبوية .