الإمارات والهند .. جمعتهما صداقة تاريخية تحولت لشراكة استراتيجية
جمعت الإمارات والهند علاقات ثنائية قوية ذات جذور تاريخية بدأت بتعيين السفراء إذ عينت دولة الإمارات أول سفير لها لدى نيودلهي في العام 1972، بينما عينت الهند أول سفير لها لدى دولة الإمارات في يونيو من العام 1963.وجمعت الامارات الهند بعلاقات صداقة وثيقة، وتتسم بالتميز في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والتي يعود تاريخها إلى أكثر من قرنٍ مضى. للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الدور الرائد في تأسيس قواعد العلاقات الإماراتية- الهندية، انطلاقاً من زيارته التاريخية للهند عام 1975.
العصر الذهبيتمر العلاقات بين الهند والإمارات الآن بعصرها الذهبي، حيث نضجت العلاقة الثنائية بين البلدين وتحولت إلى شراكة استراتيجية شاملة، ويواصل البلدان استكشاف تعاون أعمق في مجالات جديدة، حيث يلتزم البلدان بعدة اتفاقيات تفاهم متعلقة بالقضايا الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف ذات الصلة والاهتمام، منها الاتفاقيات المتعلقة بتسهيل المستثمرين المؤسسيين في البنية التحتية، التعاون في مجال الطاقة المتجددة، التعاون في مكافحة الجرائم الإلكترونية، التبادل الثقافي، الفضاء، تنمية المهارات، والتأمين والعملات.
وصرحا وزيرا التجارة الهندي والإماراتي اول أمس الأربعاء إن بلديهما يخططان لإبرام اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة بحلول نهاية العام بهدف زيادة التجارة بين الهند ودولة الإمارات العربية بنسبة 70% في غضون خمسة أعوام.
وأضاف وزير التجارة الهندي بيوش جويال، ، أن البلدين كليهما يهدفان أيضا لتوقيع “مرحلة أولى” لاتفاق للتجارة قريبا قبل إبرام اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي من المرجح أن يجري تنفيذها بحلول مارس 2022.
وقال الوزيران في بيان مشترك “اتفاقية اقتصادية استراتيجية جديدة من المتوقع أن تزيد التجارة الثنائية في السلع إلى 100 مليار دولار في غضون خمس سنوات من توقيع الاتفاقية.”
تتطلع الهند لتعزيز صادراتها من خلال إقامة علاقات تجارية وعقد اتفاقيات جديدة مع عدد من الدول لتنشيط اقتصادها. ومع تجارة ثنائية تبلغ حوالي 60 مليار دولار، فإن دولة الإمارات هي بالفعل ثالث أكبر شريك تجاري للهند.
ودولة الإمارات هي أيضا ثاني أكبر وجهة لصادرات الهند بعد الولايات المتحدة، مع صادرات قيمتها حوالي 30 مليار دولار سنويا.
وقال وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية ثاني الزيودي أثناء زيارة إلى نيودلهي إن الاتفاقية تهدف لتعزيز الوظائف والاستثمارات في البلدين كليهما.
الدفاع البحري
يظهر الدفاع كمجال قوي للتعاون بين البلدين، وتم إجراء أول مناورات بحرية ثنائية في شهر مارس من العام الماضي، حيث قامت سفينتان بارزتان من البحرية الهندية «نجم الخليج 1» بالمشاركة في أول مناورة ثنائية بين الإمارات والهند، والتي تمت في أبوظبي، كما قامت سفينة حرس سواحل هندية «فيكرام»، بزيارة دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر ديسمبر من العام الماضي وإجراء تدريبات مشتركة مع خفر السواحل الإماراتية. كما أجرى البلدان زيارات متبادلة في مجالات الدفاع أسفرت عن نقاشات إمكانية الإنتاج الدفاعي المشترك وتحديد مجالات التعاون الجديدة.
الاتفاقيات المشتركة
بلغت عدد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين في مختلف المجالات 44 اتفاقية من أهمها اتفاقات حماية الاستثمار، والازدواج الضريبي، والطيران، والتعاون الأمني، وغيرها، ما يوفر الأرضية للارتقاء بالعلاقات، في كل المجالات بين البلدين.
الطاقة والاستثمار
تحولت علاقات قطاع الطاقة بين الإمارات والهند إلى شراكة استراتيجية في مجال أمن الطاقة، حيث يستثمر كلا البلدين في قطاع الطاقة بكل منهما. كما يحاول كلا البلدين المضي قدماً في التعاون في مجال الطاقة النووية من خلال إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون مع مؤسسة الإمارات للطاقة النووية والهيئة الاتحادية للرقابة النووية. كما تستكشف الهند والإمارات العربية المتحدة إمكانية تعزيز التعاون في مجال الطاقة المتجددة.
زكشفت الإحصائيات الأخيرة أن حجم التجارة الثنائية بين البلدين 60 مليار دولار، وبمعدل نمو سنوي 11%.
وتعد الهند من أكبر الشركاء التجاريين لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولميناءي جبل علي وجافزا.
وفي عام 2018 تم ضخ استثمارات في الهند من قبل شركات إماراتية، وفي مقدمتها موانئ دبي العالمية بقيمة 3 مليارات دولار، بالتعاون مع الصندوق الوطني للاستثمار والبنية التحتية في الهند ”
وتأتي الإمارات الثالثة بين أكبر الشركاء التجاريين للهند بعد الولايات المتحدة والصين، وترغب نيودلهي في مضاعفة ذلك الرقم
والهند خامس أكبر اقتصاد في العالم، وواحدة من أسرع الاقتصادات الرئيسية نمواً خلال العام الجاري.
بجانب تصميم “الجسر الهندي-الإماراتي” بشكل استراتيجي لتسهيل دمج إمكانات محفظة موانئ دبي العالمية، بالإضافة إلى خدمات تربط أكثر من 150 ميناء في أكثر من 40 دولة عبر 6 قارات مع وجود قوي في الأسواق ذات النمو المرتفع والأسواق الناضجة، بما في ذلك 78 محطة بحرية وبرية و17 مجمعاً لوجستياً ومناطق اقتصادية تجمع بين المجهزة وقيد الإنشا
وبلغت إجمالي الاستثمارات الإماراتية في الهند 10 مليارات، بينها 4 مليارات في شكل استثمار أجنبي مباشر، كان أحدثها مليار دولار ضختها أبوظبي خلال العام الماضي .
ممر الغذاء الإماراتي الهندي
وتبحث الهند والإمارات العربية المتحدة التعاون لإنشاء مراكز لوجستية ومخازن تبريد وتخزين والمزيد لتشغيل ممر الغذاء بين البلدين. نوقشت الصادرات الزراعية من الهند والمشاريع في مجال تجهيز الأغذية خلال الاجتماع السادس لفرقة العمل الرفيعة المستوى للاستثمارات ) في مومباي في أكتوبر 2018. وتوجد مجموعات الأعمال ذات الصلة من الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الهند، بما في ذلك البنجاب ومادهيا براديش ومهاراشترا وغوجارات، في مناقشة للتعاون في تفعيل الممر الغذائي في أقرب وقت ممكن.
وسيساعد الممر الغذائي المقترح في ضمان الأمن الغذائي لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث سيحصل على أفضل المنتجات الزراعية بأسعار أرخص. وسيخلق فرصاً للبحث والتطوير المشترك في قطاع الزراعة. كما يساعد ممر الطعام في زيادة أرباح المزارعين الهنود، ويساهم في توفير حوالي 200 ألف وظيفة في الهند وفقاً للتقديرات الأولية مع زيادة صادرات الأغذية الهندية إلى الإمارات العربية المتحدة إلى 7 مليارات دولار سنوياً.
الثقافة والفنون
تم تصنيف الهند كضيف شرف في مهرجان أبوظبي للموسيقا والفنون العام الماضي، في حين شهدت احتفالات اليوم الدولي الرابع لليوجا مشاركة حماسية من قبل سكان الإمارات العربية المتحدة.
ويعد متحف «زايد ـ غاندي» الرقمي، الأول من نوعه في الدولة، والذي يعد ملتقى حضارياً يأتي بالتزامن مع احتفاء دولة الإمارات بالتسامح، ويمثل محطة جديدة في مسيرة العلاقات الثقافية بين الإمارات وجمهورية الهند الصديقة، إذ يشكل ملتقى حضارياً يسرد حكاية التسامح والتعايش التي رسخها زايد وغاندي في شعبيهما.
وأكدت معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، أن متحف «زايد ـ غاندي» الرقمي الأول من نوعه في الدولة، يعد ملتقى حضارياً ويتزامن مع احتفاء دولة الإمارات بالتسامح قيمة حضارية متجذرة في الإمارات، بعد إعلان عام 2019 عاماً للتسامح، والذي يمثل محطة جديدة في مسيرة العلاقات الثقافية بين الإمارات وجمهورية الهند الصديقة، إذ يشكل ملتقى حضارياً يسرد حكاية التسامح والتعايش التي رسخها زايد وغاندي في شعبيهما، ويأخذ الزوار في رحلة عنوانها المحبة والوطن والقيادة الحكيمة، محطاتها السلام والتسامح والإخاء.
كما شاركت الهند “كضيف الشرف” في مهرجان أبوظبي الثقافي السنوي في دولة الإمارات في مارس من العام 2018، حيث استعرضت فيه الهند ثرواتها الثقافية المتنوعة إلى العالم.
شهدت النسخة السابعة والعشرون من معرض نيودلهي الدولي للكتاب الذي أقيم في يناير 2019، مشاركة الشارقة وهي ثالث أكبر إمارة في دولة الإمارات العربية المتحدة كضيف شرف لها.
الجالية الهندية فى الامارات
تُعد الجالية الهندية هي أساس العلاقات الهندية الإماراتية القوية، وهو أمر معترف به من قبل قادة كلا البلدين، وتشكل العمالة الهندية في الإمارات عدداً كبيراً من القوة العاملة في دولة الإمارات.
فالإمارات تستضيف على أراضيها الجالية الهندية المغتربة الأكبر في العالم بعدد 3.3 ملايين نسمة .
يشكلون الهنود أكبر جالية في الدولة التي تفتخر بكونها بيتا لـ200 جنسية من حول العالم، وتقدر التحويلات المالية من الإمارات إلى الهند سنويا بنحو 13.6 مليار دولار.
الجذور التاريخية
متانة وقوة العلاقات الإماراتية الهندية ليست وليدة اللحظة، ولكنها نتاج تعاون وثيق ومثمر يمتد إلى فجر التاريخ.
ويقف ميناء رأس الخيمة شاهدا على تجارة اللؤلؤ والأسماك، التي كانت قائمة بين الهند والخليج العربي منذ عام 3000 قبل الميلاد واستمرت وتطورت بتطور البشرية حتى وصلت هذه العلاقات إلى مستوى التعاون الاستراتيجي في مختلف مجالات التعاون، لا سيما في التجارة والاستثمار والقضايا الجيوسياسية.
وتذكر الوثائق التاريخية أن من أوائل المساجد التي شُيدت في العالم كان ذلك المسجد الذي بُني في ولاية “كيرالا” الهندية عام 629 ميلاديا.
وشهد هذا المسجد على علاقة تاريخية بين الهند والعالم العربي بصفة عامة، والخليج العربي بصفة خاصة، وهي علاقة تضرب في أعماق التاريخ، وأصبحت أكثر عمقا مع انتشار الإسلام بالهند على يد تجار الخليج.
وأثرت هذه العلاقات التاريخية على اللغة في الهند والعالم العربي، فهناك كلمات عديدة ذات أصول هندية مثل الصندل والتنبول “نبات للمضغ”، والقرنفل، والنرجيل، وغيرها التي ما زالت مستخدمة على نطاق واسع في اللغة العربية حتى الآن.
فيما نجد أن 25% تقريبا من مفردات اللغة الهندية عربية الأصل، وتستخدم في المحادثات والمعاملات اليومية في مختلف المناطق الهندية حتى الآن.
ولم تقتصر العلاقات بين البلدين على مجال محدد بل اتسعت لتشمل جميع المجالات وقد شهدت السنوات الماضية على التعاون الثقافي بين الإمارات والهند من خلال فعاليات وملتقيات ثقافية عدة احتفت بتراث البلدين والإرث الثقافي لكل منهما .
وتستمد العلاقات الحديثة بين الإمارات والهند قوتها من هذه الصلات التي تضرب جذورها في أعماق التاريخ، وأسهم عدد من الزيارات التاريخية المتبادلة بين البلدين في الحفاظ على بريق تلك العلاقات.
وتُعد أبرز تلك الزيارات ما قام بها الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى الهند عام 1975، حيث أسهمت في ترسيخ هذه العلاقة، ووضع الأسس القوية له
وبعدها بعام واحد، قام رئيس الهند الأسبق فخر الدين علي أحمد بزيارة رسمية عام 1976 هي الأولى لرئيس هندي للإمارات، لتتوالى بعدها زيارات متبادلة لتثبت مدى التزام الطرفين بتقوية أواصر التعاون وفتح المجال أمام المزيد من التقدم في جميع المجالات.
وشكّلت زيارة رئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي لدولة الإمارات عام 1981 نقلة نوعية أخرى في مسار العلاقات بين البلدين الصديقين.
وفي عام 1992، قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بزيارة أخرى للهند تم بموجبها توقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي على الدخل ومنع التهرب المالي فيما يتعلق بالضرائب على الدخل.
وفي عام 2003 زار الرئيس الهندي الأسبق أبوبكر عبدالكلام الإمارات، وبادله الزيارة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في عام 2007 .
وتتويجاً لعلاقات الصداقة التاريخية التي تربط البلدين والشعبين الصديقين؛ قام ناريندرا مودي، رئيس وزراء الهند الحالي، بزيارة رسمية للإمارات في عام 2015 أسهمت في تقوية العلاقة بين البلدين وأسفرت عن توقيع العديد من الاتفاقيات.
ويحتفظ سجل الزيارات التاريخية بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى الهند في عام 2016، الذي أكد خلالها أن دولة الإمارات حريصة دائما على تعزيز علاقاتها القوية مع الهند، خصوصا في ظل الفرص الكبيرة للتعاون بين البلدين والتغيرات والتحوّلات الإقليمية والدولية المتسارعة.
وأجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، زيارة ثانية في يناير 2017، حيث كان ضيف شرف في احتفالات الهند بيوم الجمهورية الـ68.
وترسيخا للعلاقات الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين؛ زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الإمارات للمرة الثانية عام 2018، وقد وقّعت دولة الإمارات والهند في أبوظبي اتفاقية و4 مذكرات تفاهم؛ بهدف تعزيز الشراكات الثنائية والتعاون بين البلدين وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك في مختلف القطاعات.