مصطفى النعيمي يكتب: تداعيات التشابك العسكري مع إيران في الشرق الأوسط
يسعى النظام السوري والميليشيات الرديفة من عملياته العسكرية التي استهدفت طلاب مدارس في مدينة أريحا، إلى بقاء منطقة خفض التصعيد الرابعة والأخيرة، رهينة التجاذبات الدولية ويطوعها باستثمارها من خلال توظيفها في مسارات الحل الأممية.
أرى من وجه نظري ومتابعتي الحثيثة لمعطيات الحدث السوري بأن التصعيد الأخير الذي قامت به الميليشيات الرديفة والمتمركزة في محيط الفوج 46 بريف حلب الغربي والتي تسيطر عليه بشكل كامل وذلك منذ قرابة عام وبعد معارك دامية مع فصائل المعارضة تم تسليمه للميليشيات والتي اتخذت منه قاعدة استراتيجية لتسيير عملياتها العدائية تجاه مناطق سيطرة المعارضة.
أما على صعيد المحادثات الثلاثية لمدراء الأمن القومي الذي جمعهم في فلسطين المحتلة لكل من “أمريكا – روسيا – إسرائيل” في صيف 2018، جاء بعد إجراء تسوية في المنطقة الجنوبية من سوريا، وأفضت الاجتماعات في حينها إلى الموافقة على الطلب الإسرائيلي بضمانة روسية على ابعاد الميليشيات الإيرانية عن المنطقة الجنوبية بعمق 35 في المرحلة الأولى، وذلك لعدم تمكن تلك الميليشيات من إطلاق الصواريخ قصيرة المدى والتي بدورها تؤثر على أمن الجانب الإسرائيلي.
وأعقب هذا الاجتماع حوار في تشرين أول الجاري بين الدول الثلاث على ضرورة إبعاد الميليشيات عن المنطقة الجنوبية وبعمق 50 كم، وبنفس الوقت تم اخبار الجانب الروسي على أن الميليشيات تستخدم غطاء الفرقة الرابعة للتحرك وإعادة الانتشار في المنطقة الجنوبية وبزي مقاتلي الفرقة وهذا يتعارض مع مضمون الاتفاق، والذي بدوره قد يدفع إسرائيل لعمليات عسكرية برية محدودة النطاق في المنطقة الجنوبية لإبعاد الميليشيات عن المنطقة في هذه المرحلة، والانتقال إلى التفكير جديا بضرورة إنهاء التواجد الإيراني في المنطقة وسحب كافة العناصر المنضوية في صفوفها.
لكن بالمقابل تسعى الميليشيات الدفاع المستميت عن المكتسبات التي حققتها في المنطقة الجنوبية من سوريا، وتدفع بالمزيد من عناصرها إلى المنطقة وذلك لاستثمار وجودهم في رفع سقف التفاوض النووي مع الولايات المتحدة إضافة إلى أن تواجد الميليشيات يسهل مرور القوافل العسكرية والنفطية إلى النظام السوري ويساهم في عملية إعادة ضخ دماء جديدة لدى النظام والذي بدوره يستثمرها في رفع مستوى التصعيد العسكري والسياسي وهذا بات واضحا من خلال مسار اللجنة الدستورية والتي حول جل الحلول المقدمة من المبعوث الأممي إلى سوريا “غير بدرسون” إلى ملفات جانبية من أبرزها مكافحة الإرهاب وعدم التطرق مطلقا لملفات حقوق الإنسان والبدء بخطوات عملية تضمن استمرارية العملية التفاوضية بتطبيق مقررات مجلس الأمن والابتعاد عن التفاصيل والخوض المباشر في عملية الدستور وتطبيق القرار 2254 والذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات ليس للنظام الحالي أي دور فيها.
وتحاول طهران باستثمار عامل الوقت في تأمين ممر آمن انطلاقا من إيران وصولا إلى مياه البحر الأبيض المتوسط والذي من خلاله يحقق بعض المكتسبات ويساهم في إعادة تفعيل طريق الحرير القديم والذي سيدفع بعجلة النشاط الاقتصادي للصين وإيران والعراق وسوريا ولبنان ومنها إلى دول الاتحاد الأوروبي.
لكن أرى أن الولايات المتحدة ليس لديها الرغبة الحقيقة في إنهاء هذا الصراع حتى اللحظة بل تحاول احتواء الأزمة وفقا لاستراتيجيتها في تصفير الاشتباك الخارجي في الدول أقل أهمية والانتقال إلى النمو الصيني المتزايد والعمل على حماية حلفائها في بحر الصين الجنوبي في تايون وهذا أصبح اليوم جليا من خلال المناورات الجوية المشتركية إضافة إلى إنشاء الحلف البحري الرباعي الجديد “تحالف كواد” والذي يضم “الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا” وذلك للضغط على الصين وإجهاض أي محاولة منها لاجتياح تايوان الحليف الأمريكي.
وبالتوازي مع الحلف البحري الجديد قلصت القوات الأمريكية والتحالف الدولي من تواجدها في منطقة الشرق الأوسط، وسحبت منظومات الدفاع الجوي “ثاد وباتريوت” من حلفائها في “العراق والكويت والأردن والسعودية” مما دفع تلك الدول إلى تغيير بعض تكتيكاتها السياسية والتي تمخضت لما بعد قمة بغداد والانزياح العربي من خيار المواجهة مع إيران إلى احتواء إيران وهذا دفع العديد من الدول إلى فتح علاقات جديدة مع النظام السوري والتي بدأت بها الإمارات ومن ثم الأردن وصولا إلى مصر، مما أعطى انطباعا لدى النظام السوري بأهمية استثمار هذا الموقف وفرض إعادة تأهيليه عبر البوابة العربية وإعادة موقعه في الدول العربية وصولا إلى باقي دول العالم.