السودان يشتعل ما بين عصيان مدني وإجراءات الجيش من باب “تصحيح الثورة”
شهد السودان منذ فجر اليوم الإثنين، أحداث سياسية متسارعة من وضع رئيس وزراء الحكومة ومجموعة من الوزراء تحت الإقامة الجبرية مرورًا بتوقيف معظم أعضاء المجلس السيادي وكبار المسؤولين في الحكومة، وفرض حالة الطوارئ.
وبدأت أحداث اليوم مع إعلان وزارة الإعلام السودانية عن حملة اعتقالات في صفوف المجلس الانتقالي والحكومة تضمت رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ووزير الصناعة إبراهيم الشيخ، والإعلام حمزة بلول، و شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف وآخرين بالحكومة الانتقالية، وفيصل محمد صالح، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، وأمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي علي الريح السنهوري.
بيان مكتب حمدوك
أصدر مكتب رئاسة الوزراء في السودان، بيانًا بشأن الأحداث المتلاحقة التي شهدتها البلاد بعد أسابيع من التوتر والانقسام حول انتقال السلطة، بين المدنيين من جهة، والقيادات العسكرية، من جهة أخرى.
أعلن مكتب رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، أنه تم اختطاف رئيس الوزراء وزوجته فجر اليوم الاثنين من مقر إقامتهما بالخرطوم، وتم اقتيادهما لجهة غير معلومة من قبل قوة عسكرية”.
قال مكتب رئيس الوزراء السوداني في بيان: “تم اختطاف رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك وزوجته فجر اليوم الاثنين 25 أكتوبر 2021 من مقر إقامتهما بالخرطوم، وتم اقتيادهما لجهة غير معلومة من قبل قوة عسكرية..كما اعتقلت القوات الأمنية بالتزامن عددًا من أعضاء مجلس السيادة والوزراء وقيادات سياسية
وأضاف البيان: “ما حدث يمثل تمزيقا للوثيقة الدستورية وانقلابًا مكتملًا على مكتسبات الثورة التي مهرها شعبنا بالدماء بحثًا عن الحرية والسلام والعدالة”.
وتابع: “تتحمل القيادات العسكرية في الدولة السودانية المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك وأسرته، كما تتحمل هذه القيادات التبعات الجنائية والقانونية والسياسية للقرارات الأحادية التي اتخذتها”.
ودعا البيان “الشعب السوداني للخروج والتظاهر واستخدام كل الوسائل السلمية (…) لاستعادة ثورته”.
انقطاع الانترنت واقتحام مقر التلفزيون
ومع توالي دعوات للتظاهر لاستعادة الثورة انقطعت شبكة الإنترنت عن البلاد، وأصبح هناك صعوبة بالغة في إجراء مكالمات هاتفية.
وأعلنت وزارة الإعلام أن “قوات عسكرية مشتركة اقتحمت مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان”، المدينة التوأم للخرطوم، و”احتجزت عددا من العاملين”.
ووصف تجمّع المهنيين السودانيين، أحد المحركين الأساسيين للانتفاضة التي أسقطت عمر البشير عام 2019، الاعتقالات بـ”الانقلاب”.
وفي بيان نشره على حسابه على “تويتر”، دعا التجمع إلى “المقاومة الشرسة للانقلاب العسكري الغاشم”.
وقال: “لن يحكمنا العسكر والمليشيات. الثورة ثورة شعب.. السلطة والثروة كلها للشعب”.
اجراءات طارئة
وأعلن رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان اليوم الاثنين حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد وحل مجلس السيادة الانتقالي والحكومة، متعهدًا بتشكيل حكومة كفاءات تدير المرحلة الانتقالية في البلاد.
وأكد البرهان، الالتزام التام والتمسك الكامل بما ورد في وثيقة الدستور بشأن الفترة الانتقالية، لكنه أعلن تعليق العمل ببعض المواد.
كما أعلن البرهان إعفاء الولاة في السودان، متعهدا بمواصلة العمل من أجل تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات في البلاد.
ووصف ما يمر به السودان، في الوقت الحالي، بالخطير، في إشارة إلى الانقسام السياسي الحاد الذي شهدته البلاد، خلال الآونة الأخيرة.
وأشار البرهان إلى أن حكومة كفاءات وطنية ستتولى تسيير أمور الدولة حتى الانتخابات المقررة في يوليو 2023.
وأكد البرهان في خطاب للشعب، الالتزام بالوثيقة الدستورية، حتى تشكيل حكومة كفاءات وطنية تراعي في تشكيلها التمثيل العادل لأهل السودان قبل نهاية نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023، متعهدا بإشراك الشباب في برلمان ثوري يراقب أداءها.
وأرجع سبب هذه الإجراءات إلى “الخلافات بين الساسة والطموح والتحريض الذي أجبرنا على التحرك، لأن ما تمر به البلاد الآن يهدد أمن الأمة”.
دعوات للإضراب والعصيان المدني
توالت الدعوات للإضراب والعصيان المدني، إذ أعلن تجمع المصرفيين السودانيين الدخول في إضراب عن العمل وعصيان مدني مفتوح احتجاجًا على الاعتقالات.
كما أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية في بيان: “الانسحاب الكامل من كل المستشفيات العسكرية”.
وفي ذات السياق أعلنت الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم “العصيان المدني”، ودعت السودانيين “إلى إعلان العصيان المدني الشامل في كل المؤسسات المهنية والخدمية، عدا الحالات الطبية الطارئة”، وفق بيان نشرته وزارة الإعلام على حسابها الرسمي على موقع فيسبوك.
وتبنت اللجنة التسييرية لاتحاد الطيارين السودانيين دعوات للإضراب العام والعصيان المدني.
ودعت اللجنة في بيان جميع الطيارين والعاملين في قطاع الطيران وجميع السودانيين للخروج الى الشوارع و”حماية ثورة الشعب السوداني”.
ويتوقع مراقبون أن تتزايد حالات الإضراب والعصيان المدني لتشمل المزيد من المؤسسات والهيئات الحيوية في السودان، ردا على ما اعتبر إقصاء للمكون المدني من السلطة في البلاد.
الجيش يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين
أعلنت لجنة أطباء السودان، عن إصابة 12 حالة بإطلاق نار على متظاهرين أمام مقر قيادة الجيش.
وقالت وسائل إعلام سودانية، اليوم الإثنين، إن عددا من المتظاهرين أصيبوا في اشتباكات أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، وذلك خلال الاحتجاجات الرافضة لاستيلاء الجيش على السلطة.
وأفادت وسائل إعلام نقلًا عن شهود عيان، أن عدة أشخاص أصيبوا في اشتباكات بين جنود سودانيين ومتظاهرين مناهضين لاستيلاء الجيش على السلطة، أثناء محاولتهم الاقتراب من مبان تضم مقرات عسكرية في الخرطوم.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو عبور المتظاهرين حواجز ودخولهم الشارع المحيط بمقر الجيش في الخرطوم وسط تقارير تتحدث عن انقلاب عسكري واستيلاء الجيش على السلطة.
وأشارت وزارة الإعلام إلى أن “قوات عسكرية أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين الرافضين للحكم العسكري أمام القيادة العامة للجيش، وأوقعت عدد من المصابين”، لافتة إلى أن “جموع الشعب السوداني الرافضة للانقلاب العسكري تتحدى الرصاص وتصل إلى محيط القيادة العامة للجيش”.
ردود فعل عربية ودولية
وقال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس إنه “قلق جداً بشأن التقارير حول انقلاب جارٍ ومحاولات لتقويض عملية الانتقال السياسي في السودان”.
واعتبر أن “الاعتقالات التي طالت بحسب ما أفيد رئيس الوزراء والمسؤولين الحكوميين والسياسيين غير مقبولة”، داعيا الى “الإفراج الفوري” عنهم. كما “حث جميع الأطراف على العودة فوراً إلى الحوار والمشاركة بحسن نية لاستعادة النظام الدستوري”.
وقال مبعوث واشنطن الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان في بيان على تويتر، “تشعر الولايات المتحدة بقلق بالغ حيال التقارير عن سيطرة الجيش على الحكومة الانتقالية”، مشيرا إلى أن ذلك “يتعارض مع الإعلان الدستوري (الذي يحدد إطار العملية الانتقالية) وتطلعات الشعب السوداني للديمقراطية”.
ودعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل المجتمع الدولي الى “إعادة العملية الانتقالية الى مسارها”، بينما حضت جامعة الدول العربية على “الحوار”، داعية الى الالتزام بالعملية الانتقالية.
وندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “بأكبر قدر من الحزم بمحاولة الانقلاب في السودان”، ودعا إلى “احترام مكانة رئيس الوزراء والقادة المدنيين”.
وأدانت ألمانيا محاولة الانقلاب التي يشهدها السودان، داعية إلى “وقفها فورا”، بينما دعا الاتحاد الإفريقي لمحادثات “فورية” بين العسكريين والمدنيين.
من جانبه، أعرب السكرتير التنفيذي للهيئه الحكومية لتنمية شرق أفريقيا “إيجاد” ورقنه جبيو عن قلقه من التطورات السياسية الحالية في السودان وقال إنه يتابع الوضع عن كثب.
وأكد جبيو على استعداد المنظمة لدعم الحكومة الانتقالية في السودان والشعب السوداني لتوطيد السلام والمكاسب الديمقراطية.
وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، عن قلقه العميق إزاء تطورات الأوضاع في السودان، مشيرا إلى أنه يتابع بقلق تطورات الأوضاع.
ودعا لإطلاق سراح جميع القادة السياياسين في السودان والاستئناف الفوري للمشاورات بين المدنيين والعسكريين في إطار الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية.
وأكد على أن الحوار والتوافق هو السبيل الوحيد المناسب لإنقاذ البلاد وانتقالها الديمقراطي
ومن القاهرة، دعت مصر الأطراف السودانية كافة إلى التحلي بالمسؤولية وضبط النفس لتغليب المصلحة العليا للوطن
السعودية أيضا أكدت من جانبها على استمرار وقوفها إلى جانب الشعب السوداني ودعمها لكل ما يحقق الأمن والاستقرار له، ودعت إلى ضبط النفس.
أزمة سياسية بين شركاء الفترة الانتقالية
ويعيش السودان على وقع أزمة سياسية حادة إثر تصاعد الخلاف بين شركاء الفترة الانتقالية من العسكريين والمدنيين، وسط غياب أفق الحل في ظل تمسك كل طرف بموقفه.
وينادي العسكريون ومؤيدون لهم يعتصمون أمام القصر الرئاسي لليوم العاشر على التوالي بحل الحكومة الانتقالية وتشكيل أخرى من كفاءات وطنية، وحل لجنة تفكيك الإخوان وتوسيع قاعدة المشاركة في الائتلاف الحاكم.
بينما يرفض تحالف الحرية والتغيير هذه المطالب، واعتبر الحراك الدائر أمام القصر الرئاسي محاولات للانقضاض على الثورة ومكتسباتها.