مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

أدهم إبراهيم يكتب: أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

نشر
الأمصار

 

إن التطور السريع لتكنولوجيات المعلومات والاتصالات، قد وفّر تسهيلات كبيرة للبشرية، ولكنها تطرح في الوقت نفسه تحديات أخلاقية غير مسبوقة.. ولعل حماية الإنسان من التقدم السريع لتكنولوجيا المعلومات يعد من أهم المواضيع التي تقلق العالم لكثرة المخاطر التي تواجهه، نتيجة سوء الاستعمال والاستغلال لهذه التكنولوجيا، وفي هذا النطاق يجري الحديث عن الأخلاق الرقمية أو أثر الذكاء الاصطناعي على الجنس البشري.
وهنا يرد السؤال عن ماهية المستقبل السياسي والاجتماعي والأخلاقي لهذا التطور السريع والتأثير البيئي العام لهذه التكنولوجيا على الإنسان.
ليس هناك اتفاق على هذه المخاطر التي تهدد مجتمعاتنا، ولكن هناك تخوف معقول ومنطقي من الآثار الأخلاقية التي تتركها التكنولوجيا على مستقبل البشرية، حيث هناك كثير من المشاكل التي يصعب التنبؤ بها، وفي الحقيقة أننا لا نتخيل كيف سيكون العالم بعد خمسين سنة؟؛ لأننا نعيش فعلا بوادر هذه المخاطر على مجتمعاتنا وأخلاقياتنا، حيث نشهد الآن الانعزال والانطوائية لأفراد المجتمع نتيجة الاستخدام المفرط للهواتف الذكية.
كما أن فكرة وجود كمبيوتر ذكي لدرجة أنه لن يحتاج إلى البشر لتشغيله، تجعلنا نتجه إلى عصر تسيطر فيه أجهزة الكمبيوتر على مقدراتنا إلى حد بعيد، حيث أن الذكاء الفائق للآلة يمكنها أن تتجاوز كل الأنشطة الفكرية لأي شخص مهما كانت شدة ذكاءه.
كل هذا يبدو وكأنه خيال علمي، لكن عندما يكون العلماء مثل ستيفن هوكينغ وأقطاب التكنولوجيا مثل إيلون موسك قلقون بشأنه، ربما ينبغي أن نأخذ الأمر على محمل الجد.
يقول السيد رشيد دحدوح رئيس قسم الفلسفة في جامعة قسنطينة بضرورة مراقبة مراكز الأبحاث البيوتكنولوجية مثل مراكز الأبحاث النووية.
وجعل التقدم البيوتكنولوجي موجه فقط لخدمة الإنسان وضبطه بضوابط أخلاقية، ويحذر من أن غياب الشفافية حول الأبحاث الدقيقة التي تجرى “بعيدًا عن الأعين” قد يكون تأثيرها “أكبر من قنبلة نووية”، وأن هذه الأبحاث من دون ضوابط قد تقود إلى جنس بشري جديد غير “الإنسان العاقل”.
وقال فيرنور فينج أستاذ الفلسفة في علوم الكمبيوتر بجامعة سان دييغو، في مقالته “التفرد التكنولوجي القادم” إن هذه اللحظة من التقدم ستشير إلى نهاية عصر الاختراعات البشرية وميلاد عصر جديد من الحضارة التكنولوجية.
ونشهد حاليا مركزية التحكم بالأعمال تحدث في أكبر شركات البرمجيات مثل Facebook وAmazon لتوسيع نفوذها واعمالها بطرق تخلق احتكارات ضخمة.
ولذلك فإن آثارا كارثية قد نشهدها في المستقبل القريب نتيجة الهيمنة التكنولوجية لبعض الدول على حساب الدول النامية، والتي تؤدي الى الاغتراب الثقافي والاجتماعي والحضاري للدول نتيجة الفجوة بين الابتكارات التكنولوجية للدولة المتقدمة، ومجرد استخدامها في الدول النامية، التي اصبحت “مستعمرات تكنولوجية” لها.
كما أن هناك حاجة في الشركات الكبرى لمزيد من المعلومات والبيانات لتكون قاعدة فعالة للعمل والتوسع، فتم استبعاد الخصوصية للفرد، وغيرها من الحقوق الشخصية، نتيجة الرغبة في معرفة تفاصيل ما يفعله الفرد وحتى ما يفكر فيه كل ساعة وكل يوم.
إن هذه الشركات ترى في الهيمنة على خصوصية الأفراد أمرًا ضروريًا لنموها وتوسعها، وهذا يؤدي بالضرورة الى توجيه الاشخاص وتغيير سلوكياتهم بما يخدم الاهداف التجارية وحتى السياسية.
وبذلك أصبحت الأخلاقيات الرقمية مهمة الآن أكثر من أي وقت مضى.
وبالرغم من وجود جوانب قانونية من الأخلاقيات الرقمية ينبغي الامتثال لها، إلا أن الشركات غالبا ما تتهرب منها بطرق شتى نتيجة انعدام الشفافية، وبالتالي تكون بعيدة عن المساءلة القانونية والعدالة الاجتماعية.
وهنا يجب أن تلعب المؤسسات الحكومية والجامعات دورًا رائدًا في مواجهة هذه التحديات، وأن هناك حاجة إلى استجابة عالمية أكثر شمولاً، رغم أن بعض الأوساط الأكاديمية تدرك هذا التحدي وتتصرف وفقًا له.
إن الأمر يتطلب قيادة أخلاقية واضحة تجاه هذه المسألة وحوارًا أكثر واقعية مع مراكز الأبحاث حول الموضوعات الأخلاقية للنظم الرقمية.

يصبح إدخال الأخلاق في العالم الرقمي ضروريًا، بل ضروريًا جدًا!، ويجب التفكير في الأخلاقيات الرقمية القائمة وإعادة تطويرها لدمج القيم والمبادئ الأخلاقية العامة في تصميم وتنفيذ واستخدام البيانات في المجالات كافة، وعلى الأخص في العلوم الطبية.