د.عبد الحفيظ محبوب يكتب: تايوان مخلب قط أمريكي في مواجهة التكنولوجيا الصينية
زار نيكسون بكين عام 1972 بعدما كانت الصين شريكة السوفيات في الحرب الباردة، بالطبع استثمرت الصين هذه الزيارة الأمريكية في الانفتاح على الغرب من خلال رؤية دينج شياو الذي صرح في 1970 من أن الشرق الأوسط لديه نفط، بينما الصين في المقابل لديها المعادن النادرة، وفي 1979 احتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان ردا على دعم أمريكا الثورة الخمينية في إيران، وانشغلت الولايات المتحدة بمواجهة الاتحاد السوفيتي بقيادة حرب دينية في أفغانستان، لكن الصين عززت من انفتاحها على الغرب في نفس العام 1979والخروج من عباءة الدب الروسي.
بدأت الصين الصراع مع الولايات المتحدة قبل اربع سنوات عندما قاد ترمب حربا تجارية معها، فذكرت أهم صحيفة صينية عبارة ( لا تقل إننا لم نحذرك ) هذه العبارة التي لا تقلها الصين إلا عندما ينفذ صبرها، والتي لا تقال إلا عندما تصبح الصين في أزمة بعد صبر استراتيجي طويل، ففي عام 1962 قيلت عندما دخلت الصين في صراع على الحدود بينها وبين الهند، وقيلت عام 1979 عندما قامت بغزو الصين لفيتنام المدعومة سوفيتيا للرد على غزو فيتنام لكمبوديا واحتلالها عام 1978 الأمر الذي أنهى حكم نظام الخمير الحمر المدعوم من الصين ثم انسحبت، لكنها تركت 1.5 مليون جندي على الحدود الصينية السوفيتية، وذلك بعد تدهور العلاقات نتيجة للانقسام الصيني السوفياتي بين عامي 1956 و 1966 وهذا العامل لعبت عليه الولايات المتحدة في فصل التحالف بين الصين والسوفيت.
الولايات المتحدة منزعجة من سلاح المعادن النادرة ال17 عنصر الذي يمكن أن تستخدمه الصين، وتمتلك الصين أسلحة كثيرة، لكن لماذا ربع ترسانة العالم تتواجد في بحر الصين الجنوبي تتصارع فيه أكبر قوتين في العالم؟، لكنه بحر جزء من المحيط الهادئ، وبحر يطل على عدد من الدول والجزر المتنازع عليها.
منذ عام 1993 أقدمت سفينة أمريكية على تفتيش سفينة صينية بحجة انها تحمل مواد نووية لإيران، وتعرضت سفارة بكين في بلغراد إلى قصف في عام 1999، وزاد التوتر بين الصين والولايات المتحدة في 2001، لكن آثرت الصين أن يكون الرد اقتصاديا، وفي عام 2008 اتهم بوش الابن الصين أنها تتعمد تخفيض عملتها لزيادة صادراتها، وفي عام 2010 في زمن أوباما لم يكن هذه المرة اقتصاديا بل عسكريا ولأول مرة عند زيارة جنرالات أمريكيين إلى شمال أستراليا لغلق المنافذ البحرية أمام الصين، وفي 2012 شملت الخطوة الأمريكية إلى إرسال مزيد من حاملات الطائرات إلى بحر الصين الجنوبي، ولم تتوقف الولايات المتحدة عند هذه الخطوات بل أنشأت 5 قواعد عسكرية في فيتنام وكوريا الجنوبية وتايلند، وفي 2018 مرور مدمرتين أمريكيتين بالقرب من الجزز المتنازع عليها.
بعدما أصبح بحر الصين الجنوبي منطقة ساخنة، فيما تعتبره الصين بحرا صينيا، ما دخل الولايات المتحدة البعيدة عن المنطقة فقط من أجل أن تدعم تايوان التي تعتبرها الصين جزء منها، بينما تعتبرها الولايات المتحدة بحسب القانون الدولي دولة مستقلة، فعندما لاحظت الولايات المتحدة منذ عام 2017 أن الصين أصدرت قانون النقل للدفاع الوطني الذي يجيز تحويل عبارات إلى سفن عسكرية قد تكون خطوة عملية لاحتلال تايوان التي هي بمثابة مخلب قط أمريكي في مواجهة التكنولوجيا الصينية، بل عن تايوان محمية أمريكية، وهو بمثابة وادي السيلكون الآسيوي، فشكلت أمريكا تحالف أوكوس كخطوة رادعة تقف أمام ضم الصين تايوان، فشكلت تحلفا بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا الذي يعيد ترتيب هيكل القوة في منطقة المحيط الهادئ.
كان الرد الصيني بحكم الأهمية الاستراتيجية لبحر الصين الجنوبي، وأحد أهم مرتكز لمشاريعها في توفير بدائل لتقطع الصين على واشنطن افتعال الحروب في بحر الصين الجنوبي، الذي يمر منه ثلث التجارة الدولية، 1- أهمها تفعيل طريق الحرير تحت مسمى الطريق والحزام الذي يربط 68 دولة في آسيا و أوربا وافريقيا بهدف ربط الصين بثلثي سكان العالم عبر طرق برية وسكك حديدية، وخطوط ملاحية، بعيدا عن الولايات المتحدة، 2- استحداث استراتيجية اللؤلؤ في استحداث سلسلة من موانئ لحماية خطوط تجارتها عبر طريق الحزام والطريق في 68 دولة، فأنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي في 2017، والاستحواذ على جيوان في باكستان في 2018، والاستحواذ على ميناء هام بان توبا في سيرلانكا عام 2019، 3 – إنشاء خطوط لنقل الغاز والنفط في تركمنستان عام 2009، وفي ميانمار في 2009، وخطوط نقل الغاز الروسي في عام 2019، 4- استراتيجية القدرة على اغراق حاملات الطائرات في البحر، 5 – إجراء سلسلة مناورات في البحر في 2021 ردا على أمريكا وحليفتها تايوان، فهي بمثابة كسر عظم بين الصين والولايات المتحدة.
المواجهة المعلنة في الأسكا بين الجانبين لم تحدث طيلة عقدين من الزمن، يعتقد البعض أنها ترسم ملامح حرب باردة جديدة، لكن عندما يعلن بايدن أنه يقود تحالف الديمقراطيات مع أوربا والهند واليابان وكوريا الجنوبية، لكن هذا التحالف ليس صلبا، كما في زمن الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفياتي، فالدول الأوربية لا تصطف مع الولايات المتحدة في هذا التحالف، ولديها تعاون استثماري وتقني مع الصين.
انزعجت أمريكا من تصريح الرئيس الصيني عندما قال أن عصر النفوذ الأمريكي انتهى، وأن لا أحد يوقف صعود الصين، وأن تايوان ستعود سواء بالتفاوض أو بالقوة، من أجل ذلك سرعت الصين في بناء الترسانة العسكرية، وأعلنت أنها ستضاعف من سلاحها النووي، وبرهنت على أنها عندما أطلقت صاروخ لم تتمكن المظلة الأمريكية من اكتشافه، لأنه صاروخ يعتمد على الذكاء الصناعي، ما يعني أن الصين وصلت لمرحلة من التقدم في الذكاء الصناعي، وبعدما كانت الولايات المتحدة في الماضي الوحيدة القادرة على ضرب العمق الصيني، أصبحت الصين اليوم كذلك هي قادرة في الوصول إلى العمق الأمريكي.
ما يعني أن على الولايات المتحدة أن تتعايش مع التنافس الصيني، لأنها رأسمالية في اقتصادها، اشتراكية في نظامها، على عكس الاتحاد السوفيتي الذي كان اشتراكيا في نظامه وفي اقتصاده، فلم يتمكن من القدرة على التوسع في الإنتاج، وعلى الولايات المتحدة أن تقر بهذا الفارق الشاسع، فيما الصين تحولت إلى مارد اقتصادي، وتقني، وستتجاوز الولايات المتحدة في المستقبل، وغير قادرة على عزل الصين اقتصاديا.
تعمل الصين على تغيير قواعد اللعبة، وستدخل كثير من التعديلات على النظام العالمي الذي أنشأته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية يخدم مصالح دول محددة انتصرت في الحرب العالمية ولا يخدم مصالح الصين كقوة عظمى، خصوصا حينما تصبح الصين القوة الأولى في العالم عام 2028 وفق تنبؤ عدد من الاقتصاديين، ووفق النمو الاقتصادي في كلا البلدين، وهو ما جعل الولايات المتحدة تحاول وقف النمو الاقتصادي في الصين، لتؤخر تحقيق هذا التفوق الصيني في عام 2028، لكن أي صراع مسلح سيؤثر على اقتصاد الولايات المتحدة أكثر من تأثيره على اقتصاد الصين، خصوصا وأن هناك تجارب كثيرة فمنذ الأزمة الاقتصادية في عام 2008 استفادت الصين أكثر على حساب الغرب، وكذلك في الأزمة التجارية بين البلدين في عهد ترمب إذ تضرر المزارعين في الولايات المتحدة وأدى إلى انخفاض الاستثمارات الصينية في 2019 من 46 مليار دولار إلى 29 مليار دولار، وتراجعت الاستحواذات بنسبة 90 في المائة داخل الولايات المتحدة من قبل الصين، فيما ارتفعت الاستثمارات الأمريكية في الصين بنحو 37 في المائة في نفس العام، خصوصا وأن حجم اقتصاد البلدين يمثلان أكثر من 40 في المائة في العالم فأي صراع عسكري سيؤثر على الاقتصاد العالمي.
لكي يثبت الصينيون عزمهم على مواجهة التهديد الأمريكي، فقد سجلت تايوان اختراق مائة وخمسين طائرة صينية المجال الجوي التايواني على مدى أربعة فقط اعتراضا على تسليح الولايات المتحدة بأسلحة أمريكية متطورة، وهو يمثل تراجعا أمريكيا عن تعهداتها السابقة بعدم مد تايوان بأي أسلحة، وكانت بكين راضية بموقف الغموض الاستراتيجي الذي كانت تتبعه الولايات المتحدة، ولم تقل أنها تدافع عن تايوان، لكن اليوم في عهد بايدن صرح من أن أمريكا تدافع عن تايوان.
فهل يصل الطرفان في المحادثات الغير مباشرة في 15 نوفمبر 2021 إلى تعايش تنافسي يتجهان الطرفان نحو إدارة التنافس بدلا من إدارة الصراع؟، فاستنادا لنظرية الفخ للمؤرخ اليوناني ثيوديدس فإن الطرفان مدفوعان بالخوف لأنهما سيندفعان أكثر للتسلح، وقد يؤدي إلى مواجهة بينهما بالخطأ، الجميع فيها خاسر، لأن الرئيس الصيني يؤمن بنظرية القومية المغالية من أن تايوان جزء من الصين وستعود خلال عهده.
لكن هناك مؤشرات تقارب بين البلدين في مؤتمر المناخ في جلاسكو حيث توصلت الولايات المتحدة والصين إلى توافق مرحلي حول المناخ، وهو مؤشر على أن الدولتان شعرتا بأنهما لابد أن تتوافقا على قيادة العالم، خصوصا وأن الولايات المتحدة عانت من تكاليف القيادة المنفردة، وهي سبب في تفوق الصين.
على عكس اجتماع الأسكا الذي لم يخرج ببيان بين الجانبين، فسيركز بايدن في اجتماع 15 نوفمبر 2021 على الأقل تهدئة التوترات مع الصين لتسجيل هدف في مرمى شعبيته على الجبهة الداخلية بعدما تراجعت شعبيته على خلفية تعامله مع ملف أفغانستان، التي أثرت على نظرة المواطن الأمريكي، المهتم أساسا بشواغله الداخلية، لأداء رئيسه لواجباته الوظيفية.
يحتاج الطرفان إلى قيادة منع انتشار الأسلحة، فإذا لم يتم منع كوريا الشمالية من امتلاك سلاح نووي التي تمتلك حاليا نحو 24 مفاعلا ومخزونا احتياطيا من الوقود المستهلك الذي تستطيع استخلاص البلاتنيوم منه، وهي كمية تكفي لإنتاج 4300 قنبلة نووية، فإن كوريا الجنوبية واليابان ستتجهان إلى محاكاة كوريا الشمالية، وسبق أن حاولت اليابان في ستينات القرن الماضي رغم أن دستورها يركز على السلمية، وتمتلك اليابان حاليا 10 أطنان من البلاتينيوم مخزنا في الداخل، بالإضافة إلى 37 طنا أخرى خارج البلاد، وكذلك كوريا حاولت مرتين في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، على غرار امتلاك فرنسا وبريطانيا سلاح نووي في وجه الترسانة السوفياتية خلال خمسينات القرن الماضي، وكذلك الباكستانية في وجه الترسانة النووية الهندية، وحتى تايوان عملت سرا على تطوير برنامجها النووي قبل أن تقوم الولايات المتحدة بإيقافه، والآن إيران في وجه الترسانة النووية الإسرائيلية، وإذا امتلكت إيران فستمتلك السعودية ومصر وتركيا للسلاح النووي أيضا، فالولايات المتحدة تحتاج إلى الصين كحليف يقودان العالم ويتشاركان في تحقيق منع انتشار الأسلحة.