د.أنمار الدروبي يكتب.. هل أصبحت المرأة العراقية في خانة المفعول به؟
إن تاريخ الأمم والشعوب حتى في أرقى مستوياتها من التقدم المدنيّ والحضاريّ والعلميّ يبدو زاخرًا بالأحداث المترافقة بالعنف والقسوة والهمجية والسلوك الدمويّ ضد المرأة. بمعنى أن تاريخ أيّة أمة من الأمم.
ربّما لا يخلو عبر مسيرتها التاريخيّة الطويلة من أحداث تتصف بالعنف والقتل والظلم والدمويّة والسلوك العدوانيّ تجاه المرأة، لأن مثل هذا السلوك وما يرافقه من عنف وتطرف ودموية لدى الرجل، يكاد يكون صفة ثابتة معروفة وموجودة في تاريخ المجتمعات البشريّة. في الجانب الآخر تلعب التنشئة الاجتماعيّة دورٌ كبيرٌ في تفشي ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمعات.
وتكمن هذه العوامل في العادات والتقاليد والقيم التي تقوم عليها التنشئة الاجتماعيّة في المجتمع، ودورها في بروز مستوى العنف فيه وتصاعده. فالعادات والتقاليد التي ينشأ عليها الرجل الشرقي، والتجارِب التي يمر بها هذا الرجل تستقر في أعماقه، ويستخدمها المجتمع جيلًا بعد جيل، ويحولها إلى قيم وتراث جماعيّ.
فالعنف تجاه المرأة بوصفه ظاهرةً مجتمعية له جذوره التاريخيّة، ولا يمكن معرفة هذه الظاهرة إلا من خلال معرفة الجذور والحوافز المجتمعيّة للعنف داخل المجتمعات. في العراق أصبح العنف المجتمعي ضد المرأة موضوع معقد وحساس، إذ يمكن أن يُشكّل هذا النوع من العنف تحديًا خاصًّا في بلاد تلعب فيها التقاليد العشائرية والقبلية، وكذلك الدين له دور مهم في الحياة اليوميّة للمرأة العراقية، وغالبًا ما يكون هناك اختلاف بين الطريقة التي ينظر بها إلى الممارسات التقليديّة وتلك النظرة الرجعية المتخلفة ذاتها، الأمر الذي قد يسبب صراعًا في المفاهيم.
العنف الاجتماعيّ ضد المرأة
والعنف الاجتماعيّ ضد المرأة في العراق قديما وله مظاهرُ عدة، أبرزها قضية القتل الذي يحصل بدوافع عشائرية تنفيذًا لأعراف (الشرف) وبحسب درجة التخلف. أو قد يأخذ العنف ضد المرأة شكل الدوافع الانتقامية كما هو الحال في حادثة الحسناء الأميرة (مريم)، وغالبًا ما يكون العنف الجسدي والعنف اللفظي السائد تجاه المرأة العراقية، لا سيما أن المجتمع العراقي محاطا واقعيا بهذه الظاهرة بل غارق فيها، لدرجة أن العنف قد فرض نفسه موضوعيًّا في الخطاب اليوميّ المنتج حول المرأة العراقية، فهو خطاب في مجمله يتسم بالرجعية والتخلف والقسوة والسيطرة، مقارنة بالرجل العراقي الذي له الحق في كل شيء، فلا غرابة أن تتعرض مريم لهذه الجريمة البشعة على يد شيطان ربما قد هُتكت عذريته مسبقًا، مما سببت له من عقد نفسية ولوثة عقلية منحته صفة (ساقط مع مرتبة الشرف).
لذلك ترى أن المرأة العراقية تعاني من حضور العنف باختلاف اشكاله في كثير من الخرافات والأساطير القديمة، على سبيل المثال لا الحصر، الرجل العراقي يتمتع بحقوق وامتيازات واستثناءات جعلته ينتقل من رب الأسرة إلى رب كل شيء، فهو فقط من يستطيع التعبير عن مشاعره ورغابته وإن يطلب زوجته بغرض إشباع شهواته الجنسية، أما المرأة فإذا ما حاولت التعبير عن مشاعرها وأحاسيسها ورغباتها الجنسية ضمن مجتمع مأزوم كمجتمعنا فهي أمرأه وقحة وعديمة التربية وفاقدة للشرف، وقد يقام عليها الحد من قبل جماعة (قال الله وقال الرسول). فلا عزاء لك أيتها الأنثى العراقية.
ولا تقف أيديولوجية العنف والنظرة الدونية تجاه المرأة العراقية عند حدود المجرمين وأولاد الشوارع وإنما قد تعدت هذا النطاق لتدخل (بعض) الفئات المثقفة، في الوقت نفسه فقد تجاوزت لغة العنف حدود العلاقات الزوجية أو العاطفية، إذ تجاوزت كل القيم والنظم التي يعيشها المجتمع العراقي ووصل إلى حد الاعتداء والتجاوز على بعض العاملات في بعض الوظائف الخدمية في القطاع الخاص، تلك الوظائف التي ينظر أليها أصحاب العقول المتحجرة على أنها (وظائف غير شريفة) ناهيك عن التعدي وممارسة العنف والأجرام بدون أي حق على بنات الليل، بحجة الحلال والحرام وبذريعة الشرف والتقاليد.
لا سيما أن كل من يمارس العنف وايذاء أي امرأة عراقية أيًا كانت صفتها وعملها واتجاهاتها فهو مجرم يستحق العقاب، وحتى لو كانت هناك تصرفات غير لائقة لا تناسب تقاليد المجتمع فهناك دولة وسلطة قانون تحاسب الأفراد، أما ما يحدث في الوقت الراهن، هو أن المرأة العراقية أسيرة لقانون المجرم والحشاش والفاسد. وتأسيسا لما تقدم علينا معالجة المجتمع ثقافيًا وفكريًا.
ومن خلال مؤسسات المجتمع التي تُمرر الثقافة بجانبها المعنويّ والماديّ على الأفراد، ولعل الأسرة تأتي في مقدمة المؤسسات التي تتولى نقل ثقافة المجتمع وقيمِه المختلفة من خلال عملية التنشئة التي تقوم بها. لقد كانت وما زالت ثقافة العنف بمختلف أشكاله التي تعيشها المرأة…