عبد الحفيظ محبوب يكتب: السعودية ملتزمة بسياسة خارجية متعددة الاتجاهات
أنعش وصول ترامب البيت الأبيض آمال السعودية في إنهاء سياسة أوباما التي تراها السعودية أنها مهادنة لإيران على حساب مصالح المنطقة العربية وبشكل خاص السعودية، لكن بمجئ بايدن الذي يود إعادة سياسة أوباما لكنه وجد السعودية غير السعودية التي كانت في عهد أوباما، زاد قوة السعودية ومكانتها الغزو الروسي لأوكرانيا الذي ترك استغراب ودهشة لدى الولايات المتحدة موقف السعودية والإمارات عندما امتنعت مرتين عن التصويت على قرار يدين روسيا، وكذلك الرفض السعودي للطلب الأمريكي بزيادة إنتاج النفط للحد من ارتفاعه.
ما تعتبره أمريكا أن السعودية شقت عصا الطاعة الأميركية، بل إن السعودية رفضت طلبا من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على التنديد العلني بالغزو الروسي، وحذر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك دول أوبك من التربح من العقوبات الدولية على روسيا، وبالرغم من ذلك لم يتغير الموقف السعودي من روسيا، وهذا التعنت السعودي راجع إلى إصرار الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين على بذل كل الجهود لإحياء الاتفاق النووي مع إيران، كما أن السعودية تستغرب من مواقف الغرب من مطالبتها على احتواء روسيا في أوروبا، لكن واشنطن تعمل على تقوية روسيا وإيران في الشرق الأوسط، ما تعتبره تناقضا.
بدأت العلاقة السعودية الروسية منذ عام 2008 عندما أعربت السعودية عن تعاطفها مع قرار روسيا التدخل في منطقة أوسيتا الجنوبية الانفصالية، وأجرى حينها الأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي الأمير بند بن سلطان بن عبد العزيز محادثات مع بوتين لتعميق التعاون العسكري بين البلدين، ومنذ ذلك الوقت السعودية ملتزمة بشدة بسياسة خارجية متعددة الاتجاهات لتحقيق التوازن بين الشراكات التقليدية مع الغرب.
وقد عزز تضامن روسيا مع السعودية بعد مقتل خاشقجي في أكتوبر 2018 صورة موسكو كشريك محتمل للسعودية، التي لم تستثمر الحدث كما استثمرته إدارة بايدن، لكن ترمب أيضا لم يستثمر هذا الموقف، وكذلك العلاقات مع القوى غير الغربية مثل الصين وروسيا والهند، ما جعل رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور بونداريف بالسعودية باعتبارها دولة مستعدة لتحدي الولايات المتحدة غير الموثوق بها، لأن روسيا تنظر إلى حربها في أوكرانيا على أنها حملة لتفكيك النظام آحادي القطب، ستستفيد موسكو من توتر العلاقات السعودية الأمريكية للتقارب مع الرياض بشكل أكثر قوة، خصوصا في ظل موقف الولايات المتحدة الضعيف في اليمن وأفغانستان الذي أثار قلق السعودية.
لعب تخفيف التوترات الروسية السعودية بشأن سوريا واليمن دورا في رفض الرياض إدانة حرب بوتين في أوكرانيا، مقابل أن خففت معارضة روسيا التدخل العسكري السعودي في اليمن، وكذلك مقاومة العقوبات المتعددة الأطراف ضد الحوثيين، نتج عنه تأييد روسيا في 28 فبراير 2022 حظر توريد الأسلحة إلى الحوثيين، وهو تغير في الموقف السابق الذي أبعد موسكو عن السعودية، وزيارة بشار الأسد إلى دبي يمكن أن تمهد الطريق لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية إذا حققت خروج المليشيات الإيرانية من سوريا.
تصرف السعودية تجاه روسيا بعد سحب أمريكا صواريخ باترويوت من السعودية، لكن تحالفها مع روسيا جعل أمريكا تعيد إرسال صواريخ باتريوت في 21 مارس 2022.
هناك عوامل أدت إلى شعور السعودية ودول الخليج بالخوف وتعزيز تحالفها مع الولايات المتحدة في أعقاب الثورة الإيرانية التي أتت بها أمريكا ونجحت في تخويف دول الخليج وزيادة اعتمادهم على أمريكا في رعاية أمنهم، لأنه كان لديهم خوف من تصدير إيران الثورة إلى الخارج عبر استغلال الأقليات الشيعية الكبيرة في عدد من دول الخليج، وبلغت علاقة دول الخليج أوجها مع الولايات المتحدة عقب الغزو العراقي للكويت.
لكن الشروخ في العلاقات السعودية الأمريكية بدأت تظهر مع انطلاقة ما يعرف بثورات الربيع العربي الذي دعمتها إدارة أوباما، وفتحت الباب أمام تيار الإسلام السياسي الباب بمختلف أطيافه لبسط سيطرته على الشارع العربي أدت إلى أتون حروب أهلية مدمرة في سوريا وليبيا واليمن، لكن تم إنقاذ مصر وتونس ومن قبل البحرين، وزاد الخلاف مع الولايات المتحدة بعد توصلها مع إيران إلى اتفاق نووي في 2015 الذي أطلق يد إيران في المنطقة مقابل خضوع برنامجها النووي لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فدخلت السعودية في مواجهة مع إيران في اليمن.
ميل أمريكا منذ عهد أوباما بالنأي بالولايات المتحدة عن المنطقة، كان على السعودية البحث عن الاستقلال الأمني، وهذا يحتاج إلى تغيير السياسة الخارجية للسعودية في أن تكون متعددة لتحقيق التوازن بين الشركاء التقليديين والشركاء الآخرين، خصوصا بعدما أدركت أن موقف أوباما ليست حالة شاذة في السياسة الأمريكية، خصوصا وأن العلاقة تاريخيا بين البلدين كانت متعلقة بمتغيرين هما الطاقة والأمن أو تأمين الطاقة مقابل الأمن، حققت الولايات المتحدة جزءا كبيرا من استقلال الطاقة، فيصبح الأمن مثار العديد من التساؤلات، رغم أن السعودية تدفع مقابل صفقات السلاح التي تشتريها من الولايات المتحدة مبالغ ضخمة ولم تكن مجانية، لكن الحرب الروسية في أوكرانيا أعادت الاهتمام بمتغير الطاقة، لكن السعودية لديها مواقف جديدة في التعاطي مع عودة متغير الاهتمام بالطاقة في منطقة الخليج ولن يكون مثلما كان في الماضي، فهي أيضا تبحث عن الاستقلال الأمني.
رغم ذلك يبقى أن الولايات المتحدة التي صرفت أكثر من تريليون دولار على الحروب، فهي تود وقف هذه الحروب، والتركيز على مواجهة الصين التي ترى فيها تهديد استراتيجي على مصالحها، وتركيز الجهد العسكري على بحر الصين، ما يتطلب تخفيف الوجود العسكري في منطقة الخليج.
ما جعل السعودية تتجه نحو تعزيز أمنها، وقد أفصحت CNN في 23 ديسمبر 2021 أن السعودية تصنع صواريخ بالستية وذلك بمساعدة الصين أتلانتا في عدد من المواقع، صدمت تلك الأخبار أمريكا وإسرائيل لمحاولتهما على التفاوض على أسلحة نووية في إيران، لكن السعودية لا تثق في مثل تلك المفاوضات، وتعتبر تلك مسرحيات التي يتم من خلالها قتل علماء وضرب بعض المنشئآت النووية، فلن تؤخر حصول إيران على السلاح النووي، لكن أمريكا وإسرائيل يريان أنه سيكون هناك تداعيات خطيرة على الشرق الأوسط، لكن السعودية ترى أن مصانعها تلك شوكة في خاصرة إيران، أكبر خصم إقليمي للسعودية، يمكن لهذه القوة السعودية الجديدة أن تضع الشروط للحد من تكنولوجيا الصواريخ في إيران.
توقيت الشرق الأوسط في عجلة من أمرها لتسليح نفسها بالصواريخ، ولم تعد السعودية مجردة من أي قوة تحافظ على منجزاتها الحيوية والاقتصادية حتى لا تتكرر ضربات منشآتها النفطية التي حدثت في عام سبتمبر 2019 عطل منشأتين تابعتين لأرامكو توقف إمدادات النفط بنحو 5.7 مليون برميل يوميا، وتوجه السعودية للصين وروسيا وباكستان بسبب أن الكونغرس في الولايات المتحدة تفرض قيود على نقل تكنوولجيا الصواريخ المصدرة منها إلى السعودية.