مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

عمرو عبد المنعم يكتب: «إسطنبول 2020».. ضحايا «الشهبندر» و«صاحب السعادة» داخل أروقة الإعلام!

نشر
الأمصار

عندما تسافر ستعيش بجسدك فقط لكن روحك معلقة بأماكن شتي في سقف الماضي.. عندما تسافر ستغير معايير حكمك على الناس وتتبدل قناعاتك القديمة.. عندما تسافر ستتعلم أن حصاد الغربة في عام يساوي حصاد عمراً بكامله.

 

“إسطنبول 2020″ رواية صدرت هذا الأسبوع في تركيا، لمؤلفها الكاتب المصري علي الصاوي؛ وتكشف حالة الاغتراب المريرة التي صنعتها جماعة ترفع شعار الدين ولكنها لا تتوقف عن خديعة الشباب لتحقيق مآربها، هؤلاء هم أبطال الرواية التي تستدعي تجربة ” الإخوان في الخارج”.

 

رواية «إسطنبول 2020» هي “رواية بين دولتين” كما يشير عنوانها الثاني؛ وتنتمي للأدب الذي يمزج السيرة الذاتية الحقيقية للمؤلف بالخيال الفني؛ فمؤلف الرواية الكاتب المصري علي الصاوي يعيش في تركيا؛ وقد خرج من مصر على أمل حياة مختلفة، ولم يستطع التكيف مع الواقع لأسباب اقتصادية او اجتماعية، تمامًا كأبطال روايته.

 

بطل الرواية «سامر» يعمل في مجال الإعلام، وقد اكتشف حقيقة ما يسمي إعلام المعارضة الإخواني في تركيا، والذي يشهر أسلحته ضد الوطن بدعوى محاربة الفساد، فيما ينخر الفساد بداخله طولًا وعرضًا؛ تكشف الرواية أوجه الفساد الإداري والأخلاقي وبينها أساليب النفاق والتملق بين أوساط الإعلاميين، وكون “الحقيقة والشرعية والثورية” ليست الغاية الحقيقية لتطلعات قادة العمل الإعلامي هناك بل الملذات والسلطة وبعضهم مشهور بلياليه الحمراء!.

 

يقول “القهوجي” أحد الأبطال: “إن مثل الإعلام هنا (أي في تركيا) كمثل رجل صاحب مزرعة يمتلك كلبًا وذئبًا وخروفًا وحمارًا، فكان يكافئ الكلب لوفائه وتفانيه في إخلاصه، وكان يكرم الذئب خشية أن ينقض عليه بأنيابه فيقتله أما الخروف فكان يطعمه ويسمنه خشية خسارته، لكنه كان يهين الحمار ويقسو عليه، رغم أنه أكثرهم إخلاصا وتحملا في العمل، مهما زاد عليه من الإعياء والتكاليف لا ينطق بكلمة، ومع ذلك يعيش الحمار في كدر الماء بينما الكلب والذئب والخروف يتنعمون في غديره”.

 

مسرح الانتهازية والفساد

الزمان في الرواية معاصر ويدور قبل الأعوام الخمسة من الآن، أي في فورة الهروب لتركيا وقطر على خلفية صراع الجماعة الإرهابية  والمجتمع المصري؛ أما المكان في الرواية فهو متراوح بين أحياء مصر وبالأخص “طنطا” بلدة البطل، وصولا لتركيا وعاصمتها “إسطنبول” بلد الرحيل التي باتت حلم  الجماعة للاستقواء بها، وتنقل لنا  الرواية في الحقيقة البيئات الاجتماعية في مصر التي تأثرت بهذه التكوينات الطفيلية العبثية التي ترفع شعارات الكرامة والحرية، والحقيقة أنها تنساب منها قيم العبودية والفساد.

 

الرواية لم تعمم ولم تشوه الجالية المصرية والعربية في تركيا، وإنما ركزت على فئة تجار الدين والوطنية ومحترفي الفساد الاجتماعي والأخلاقي.

 

على لسان الأبطال نقرأ: “إن صاحبك حوّل حياته إلى صراع مع نفسه أولا قبل أن تكون صراعًا مع الآخرين، أصابته لوثة حب الذات والعجلة نحو الوصول إلى القمة، لكنه كان يفتقد المقومات اللازمة لذلك، فلم ير من الحياة إلا جانبها المظلم، فهناك في الحياة من ألقى بذور الفشل في حقله، ثم جلس يبكي على حصاده، فهناك من زرع نفسه في غير أرضه فتحطمت أحلامه وذبل شبابه، وهناك من اتبع هواه وأضله شيطانه، فوكله ربه إلى نفسه فهلك”.

 

سنجد أبطال الرواية شخصيات متناقضة في المشاعر ومتضاربة في الأهواء، منها ما هو جدير بالإعجاب، ومنها ما هو أليق بالذم والهجاء، شخصيات تجمع بين الكوميديا والتراجيديا، وبين الزيف الاجتماعي والسذاجة الشخصية، بعضهم ضحايا والبعض الأخر جناة، إسطنبول 2020 ليست من نسج الخيال بل من واقع نعيشه ونحياه ونعرفه ونلمسه جميعا في الوسط الإعلامي عن قرب.

 

رجل النعم فقط أو عيسوي بيه أحد أبطال الرواية، الموظف البيروقراطي التقليدي الذي ينتمي عقلا وروحا إلى عصر الستينيات، فكانت خاتمته تراجيدية حد الألم؛ تلك الشخصية التي نفذت كل التعليمات وقامت بإخراج المشهد ولما حان موعد التغيير وانتهاء دوره تم ذبحه ليموت من كمد المصيبة التي حلت على رأسه.

 

تزخر الرواية بالمهاجرين العرب لتركيا أرض الآمال المزيفة، ومنهم: أبو حسين السوري الرجل القديم في تركيا الذي يعرف الكثير وما وصل به هؤلاء من الحال والمآل، والشهبندر، وصاحب السعادة ابو شهاب صاحب الجنسية المزدوجة الملقب بالدكتور الذي يدير المؤسسات هناك وقد خرج من خلفية اجتماعية بسيطة ويصدر للآخرين أنه ذا أصل طيب ونسب رفيع في حالة تعكس احتقار النفس، ثم أمين جوهر صديق البطل وكاشف أسرار مكتبه.

 

رستم، تلك الشخصية البارعة في التملق والقفز على أكتاف الآخرين لم تكن له أي موهبة في العمل الصحفي ولكن الفرصة واتته بفساد بيئة العمل؛ وقد صعد على يديه عشرات الطفيليين مثله، من فقيري المؤهلات، الطامحين للوصول السريع.

 

ومن الشخصيات النسائية في الرواية «غالية» التي يتخذها مدير العمل محظية وخليلة ويستغلها لضعف شخصيتها والظروف القاسية التي أحاطت بنشأتها من هجر الأب وطلاقه لأمها وقسوة الأيام والعوز الذي عاشته، وتظهر «غالية» أمام المجتمع هناك بوصفها زوجة مدير العمل ولها غرفة خاصة بالمكتب والحقيقة يعلمها الله.

 

توفيق القهوجي شخصية لافتة في الرواية وهو ذلك “الفيلسوف” الذي وضع في غير موضعه ليتبين لسامر بطل الرواية أنه الأكثر دراية بحقيقة من حوله.

 

ثم تظهر شخصية جاسر عبد الجواد ذلك الشاب العشريني وهو النبض الحي في الرواية ذو الشخصية الوقورة عزيزة النفس الذي يكشف الأوضاع السيئة والذي نقل لسامر بطل الرواية حقيقة هذه العالم المزيف لمجتمع صاحب السعادة أو “اللهو الخفي” أو “الرجل الغامض بسلامته” وكلها أوصاف لشخصية حقيقية الذي يتخفي وراء النظارة السوداء كلما يحضر لمقر العمل، وهو صاحب سياسية تولي أهل الثقة ممن يحسنون تصدير كلمة “نعم” لأي طلب مهما كان، ومهما كان من ضعف إمكاناتهم، بدلا من أهل الخبرة الصادقين الذين يثيرون القلق بآرائهم.

 

لوثة حب الذات والسقوط

يقول “القهوجي” والذي تحمل كلماته في الرواية مفتاح الإجابات لحياة الأبطال الحائرة: “وقد شاء القدر أن يكتب الشتات على تلك العصبة ليثبتوا للناس عمليا أن ما نزل بهم من بلاء يستحقونه عن جدارة، وقد شاء أيضا أن يضع بينهم فتية ضعافا ليكونوا شهداء على جرمهم واختبار لشعاراتهم المزيفة وترمومتر يقيس منسوب الحالة الصحية لإنسانيتهم وحقيقة دعواهم للحق”.

 

ويتابع: “هي فعلا مأوى لكثير من النصابين والمنافقين والوصوليين والحمقى، من هربوا من بطش الظلم في بلادهم ليمارسوه على بعضهم البعض في الخارج” وكما قال أحدهم: إن ما نزل بنا نستحقه والله لم يظلمنا مثقال ذرة ولو عاملنا بعدله لهلكنا جميعا، لكنه تركنا نعيش في وحل معاصينا ومظالمنا وكفى بها عقوبة”.

لقد دار حوار بيني وبين المؤلف عن استناد روايته للحقيقة وقال: لا يخلو أي عمل أدبي من الترميز والتشفير والدلالات الخفية، وكلما تعمقت في القراءة في الرواية بعين ناقدة سوف تتجلى لك معان كثيرة بين السطور؛ ففي رواية “الشيخ والبحر” لصاحب نوبل الكاتب الكوبي “إرنست همنجواي” حين تقرأ الرواية قراءة عادية تجدها تبعث على الملل خاصة وأن شخصياتها قليلة جدا وتكاد تتمحور حول حدث واحد، إلا أنها مليئة بالدلالات حول صراع الإنسان مع نفسه ومع الأقدار.

 

رواية علي الصاوي “إسطنبول 2020 رواية بين دوليتين ” ضحية الغربة وجيل الشتات تستحق يجب أن تتحول إلى عمل دامٍ مثل “القاهرة كابول” و”هجمة مرتدة” وخاصة أنها الرواية الأولى من نوعها التي يكتبها من عاش التجربة بنفسه، ولن تكون الأخيرة، فما بين السطور كثير وما أقرب الأيام والسنوات والتجارب لنكتشف المزيد عن هذا العالم الخفي.