د. علي صالح يكتب: البارزاني الأب أيقونة قومية للكرد السوريين
تربط كرد سوريا علاقات اخوية حميمية بأخوتهم الكرد العراقيين، اذ انهما يشكلان معا جزءا من الشعب الكردي المنقسم بين اربعة دول شرق اوسطية هي تركيا، ايران، العراق وسوريا، رسمت حدودها بعد الحرب العالمية الاولى (1914-1918)، دون الاخذ برأي الكرد اللذين وجدوا انفسهم فجأة ضمن حدود دولية جديدة، اذ يمكن ملاحظة ان تلك العلاقة الوجدانية تستند الى الاصل الواحد واللغة الواحدة والالام والامال القومية المشتركة، ناهيك عن الترابط الاجتماعي والديني التاريخي...الخ
من المؤكد ان الكرد في العراق كانوا اكثر نشاطا وتحركا من اخوتهم الكرد السوريين، حتى قبيل تشكل العراق كدولة حديثة في عام 1921، وسوريا في عام 1920، اذ ظهرت امارات كردية عدة في جنوب كردستان منها: امارة سوران، امارة بادينان، امارة بابان، فيما لم تشهد مناطق الكرد السوريين اي امارة كردية مستقلة، باستثناء محاولات ابراهيم باشا الملي الاستقلالية، والذي مات مطاردا من قبل الاتحاديين الاتراك عام 1908 ، ودفن في صفيا القريبة من الحسكة.
لقد جذبت شخصية ملا مصطفى البارزاني (1903-1979)، الكرد السوريين منذ نهاية العشرينيات من القرن الماضي كما بقية الكرد، بكونه قائدا قوميا لايشق له غبار، مستعدا ان يضحي بنفسه لتحقيق طموحات الشعب الكردي حتى لو تطلب ذلك اكبر التضحيات في سبيل انجاز ما تقدم، حيث شهدت الاعوام اللاحقة اكتساب البارزاني المزيد من الشعبية بين الكرد السوريين، بعد قياداته لعدد من انتفاضات بارزان مع مطلع الثلاثينيات وحتى منتصف الاربعينيات، واستطاع تكبيد القوات العراقية ومن خلفها القوات البريطانية الكثير من الخسائر، بدليل محاولة د. نورالدين زازا احد ابرز القوميين الكرد السوريين الالتقاء به عام ١٩٤١، الا انه وقع ضحية لحرس الحدود العراقية في منطقة سحيلة وتعرض للسجن في بغداد بسبب ما تقدم.
اصبح البارزاني الاب قائدا قوميا معروف عالميا على نطاق واسع بعد مشاركته في الدفاع عن جمهورية كردستان الشعبية وعاصمتها مهاباد في شرق كردستان عام 1947، وتمكنه من قيادة اكثر من 500 من مقاتليه في رحلة اسطورية الى اراضي الاتحاد السوفياتي دون اي خسائر تذكر بالرغم من ملاحقة عدد من الدول له عن كثب.
تحول البارزاني الاب نتيجة شجاعته الفائقة تلك الى ايقونة قومية للكرد، لاسيما الكرد السوريين والذين وجدودا بعد عودته الى كردستان بعد ثورة 14 تموز 1958، وقبول العراق دستورا بان الكرد شركاء فعليون في ادارة البلاد، رمزا كبيرا لهم، حتى ان الشاعر الكردي المعروف قدري جان، كتب قصيدة (شيرى وةلات هات/ ها عاد أسد الكرد) بعد عودته من منفاه، وهي مفعمة بالمحبة والانبهار بشخصية البارزاني الذي تمكن من اعادة الروح القومية المتوثبة للكرد بالرغم من كل الظروف القاهرة.
كما حاول البارزاني الاب توحيد صفوف الحركة السياسية للكورد السوريين بعد تعرض حزبهم البارتي والذي تأسس في 1957، الى الانشقاق والتشظي في 5 اب 1965، حيث قرر البارزاني دعوة الفرقاء الى الاجتماع في كردستان العراق في اب 1970، بغية اعادة لم صفوفهم وابعاد شبح الانشقاقات عن صفوفهم، وكانت تلك المحاولة ذات اعتبار كبير في نظر الكرد السوريين باختلاف فئاتهم.
في الحقيقة لايمكن الاحاطة بصورة كافية بالارتباط الوجداني لكرد سوريا بقائد الثورة الكردية البارزاني الاب في سطور قليلة، والتي تحتاج الى الكثير من الدراسات المستقبلية.