مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الأحزاب والتعددية السياسية.. هل سبب الفوضى في صوماليلاند؟

نشر
علم الصومال
علم الصومال

يتميّز نظام صوماليلاند في ما يتعلق بالتعددية السياسية، حيث ينصّ الدستور على اقتصار عدد الأحزاب السياسية على ثلاثة فقط، وتتاح الفرصة أمام الجمعيات السياسية للتنافس على تشكيل تلك الأحزاب الثلاثة كل عشرة أعوام، في انتخابات الجمعيات السياسية.

ولا تحق لغير مرشحي الأحزاب الثلاثة المشاركة في الانتخابات العامة، بما فيها الرئاسة ومجلس النواب والبلديات. 

ويعود تأسيس ذلك النظام إلى العام 1991، كترجمة لتوازن القوى بين العشائر التي استقلت بحكم الإقليم بعد انهيار الحكومة في الصومال.

سقوط حكم محمد سياد بري

بينما كانت الفوضى تعمّ أرجاء جمهورية الصومال لعقود منذ تفكك الدولة المركزية عام 1991، بعد سقوط حكم الجنرال محمد سياد بري، نجا إقليم صوماليلاند من المصير ذاته، بعد إعلان قادته الاستقلال من جانب واحد عن الصومال، وتأسيس نظام سياسي مختلف عن المتعارف، والشروع في بناء دولة مستقلة، لم تنَل الاعتراف الدولي حتى اليوم.

لكن ذلك الاستقرار الذي صار مثالاً على نجاح الديمقراطية في إفريقيا بات مهدداً، للعديد من العوامل التي على رأسها الأطماع السياسية لرئيس الإقليم موسى بيحي عبدي، الذي تسبب في أزمة سياسية كبيرة لم تنتهِ إلا حين تعرّض الإقليم لتهديد وجودي، بعد هزيمة الجيش في لاسعانود، واجتماع السلطة والمعارضة على اتفاق سياسي للاستعداد لمواجهة التحديات الآتية من لاسعانود.

في 26 حزيران/ يونيو عام 1960، حصل إقليم صوماليلاند (أرض الصومال) وعاصمته هرجيسا، على الاستقلال من بريطانيا، ورحبت 34 دولةً بهذا الاستقلال، منها الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وبعد خمسة أيام من استقلالها أعلنت دولة أرض الصومال الانضمام إلى الصومال الإيطالي الذي حصل على استقلاله في 1 تموز/ يوليو 1960، ليشكلا معاً جمهورية الصومال، وعاصمتها مقديشو، وفق الحدود التي تعترف بها الأمم المتحدة اليوم.

لكن هذه الوحدة سرعان ما تعرضت للاهتزاز بسبب الانقلاب العسكري بقيادة محمد سياد بري، عام 1969، الذي حمل عداوةً شديدةً تجاه سكان صوماليلاند، أو المعروفين بالشماليين، حتى سقوط حكمه عام 1991، وإعلان صوماليلاند فك الوحدة مع الجنوب (المناطق التي تسيطر عليها حكومة الصومال الفيدرالية اليوم)، واستعادة الدولة.

وبسبب القمع السياسي والتمييز والانهيار الاقتصادي، اندلعت الحرب الأهلية التي أنهت حكم سياد بري، وكانت انطلاقتها من صوماليلاند، بعد تأسيس سكان الشمال للحركة الوطنية الصومالية (SNM)، التي أعلنت استقلال صوماليلاند في 18 أيار/ مايو عام 1991، خلال مؤتمر برعو للمصالحة وتقرير المصير.

وبعد عامين انتقاليين من حكم الحركة الوطنية، اختير إبراهيم محمد عيقال رئيساً للجمهورية غير المعترف بها، حتى وفاته عام 2002، وخلال عهده أجرى استفتاءً حول استقلال الإقليم عام 1997، وكانت النتيجة 97% لصالح الاستقلال، وتمت كتابة الدستور عام 2001. 

وبحسب هذا الدستور، أُقرّت تعددية حزبية تقتصر على ثلاثة أحزاب مُعترف بها، على أنّ تُجرى انتخابات للتنافس على تشكيل الأحزاب السياسية كل عشرة أعوام، تتنافس فيها الجمعيات السياسية للفوز بحق تشكيل الأحزاب الثلاثة، وفق قانون الجمعيات والأحزاب السياسية لعام 2000، وذلك باختيار الجمعيات السياسية الثلاثة التي تفوز بالنسب الأكبر من الأصوات في الانتخابات التي تُجرى على أساس محلي، كأحزاب سياسية معترف بها.

أول انتخابات رئاسية في صوماليلاند

عقب وفاة الرئيس الأول عيقال، الذي يُعدّ مؤسس دولة الإقليم، أُجريت أول انتخابات رئاسية في صوماليلاند عام 2003، وشهدت تنافس رؤساء الأحزاب السياسية الثلاثة، وفاز نائب الرئيس وزعيم الحزب الديمقراطي الشعبي المتحد، طاهر ريالي كاهن، بالرئاسة. وفي 2010، عُقدت الانتخابات الرئاسية الثانية، وفاز فيها زعيم حزب التضامن "كولمي"، المعارض أحمد محمد محمود سيلانيو، ثم أُجريت الانتخابات في 2017، وفاز فيها الرئيس الحالي عن حزب التضامن موسى بيحي عبدي.

بحسب الدستور، تبلغ مدة ولاية الرئيس ونائبه، والبرلمان بغرفتيه؛ مجلس الشعب والشيوخ، ومجالس المقاطعات والبلديات، خمس سنوات، لكن لم تلتزم السلطة مع الرؤساء الثلاثة المنتخبين بهذه المدة، وتم تمديد ولاية الرئيس ونائبه والبرلمان والبلديات مرات عدة. في عهد الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي (2017 - )، جرى تأجيل عقد انتخابات الرئاسة والجمعيات السياسية التي كانت مقررةً في 2021، بينما عُقدت انتخابات مجلس النواب، وفاز فيها حزبا المعارضة بالأغلبية. وأدى تأجيل الاستحقاقات المتبقية إلى دخول البلاد في أزمة سياسية كبيرة، زادها أنّ حزب التضامن الحاكم ينفرد بالسلطة منذ العام 2010، أي منذ 13 عاماً حتى اليوم.

دفع فوز المعارضة بالأغلبية في مجلس النواب رئيس الإقليم بيحي عبدي، إلى البحث عن وسيلة لضمان فوزه بولاية رئاسية ثانية، فلجأ إلى سيناريو سيقلّده فيه رئيس ولاية بونتلاند، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في ما بعد، وهو محاولة تغيير الدستور للسماح بوجود أكثر من ثلاثة أحزاب سياسية، بدعوى توسيع التعددية الحزبية ظاهرياً، بينما الهدف الحقيقي هو تفتيت قوة المعارضة.

الحزب الوطني المعارض

وفي انتخابات مجلس النواب الأخيرة، حصل الحزب الوطني المعارض "وداني" على 31 مقعداً، وحزب العدالة والتنمية المعارض "أوعيدا" على 21 مقعداً، بينما حصل حزب التضامن الحاكم "كولميه" على 30 مقعداً، من أصل 82 مقعداً يشكلون مجلس النواب.

لكن بيحي عبدي أخفق في مسعاه بسبب تصدي المعارضة لتمرير التعديل في مجلس النواب، الذي يعني بالتبعية تمديد ولاية عبدي، التي انتهت في 2021. وما زاد من الاحتقان ضد موسى بيحي هو تفاقم الأزمة الاقتصادية، التي زادتها القطيعة بين هرجيسا ومقديشو، والتي أدت إلى وقف مقديشو لحصة الإقليم من المساعدات الدولية، بسبب توقيع هرجيسا اتفاقيةً مع موانئ أبو ظبي. يقول الصحافي أحمد ياسين من صوماليلاند لرصيف22، إنّ تقليص المساعدات كانت له آثار اقتصادية خانقة، أدت إلى زيادة التضخم وارتفاع الأسعار، وانعدام فرص العمل.

الوحدة بعد الهزيمة

يمكن القول إنّ الأزمة السياسية كانت في طريقها إلى مستقبل غامض، يهدد الاستقرار السياسي والأمني الذي لطالما تفاخر به رؤساء الإقليم، والديمقراطية الهشة التي لطالما اعتمد ساسة الإقليم عليها، للحصول على التأييد الغربي في مسعاهم إلى نيل الاعتراف الدولي بهم كدولة مستقلة.

وأول تلك المخاطر كان استخدام السلطة العنف ضدّ المعارضة السياسية، ما أدى إلى مقتل 7 أشخاص وإصابة 110 آخرين في تظاهرة احتجاجية دعت إليها المعارضة، فضلاً عن اعتقال العشرات من المعارضة. 

وبينما الأزمة السياسية تتجه نحو المجهول، وقعت أحداث لاسعانود، التي جمعت في نهاية المطاف السلطة والمعارضة على طاولة واحدة، بوساطة الشيوخ القبليين، نحو اتفاق أنهى الأزمة السياسية.