"الهجرة غير الشرعية" أكبر أزمات أوروبا.. 2023 الأسوأ للقارة
تستمر أزمة الهجرة غير الشرعية في الدول الاوروبية، في التسبب في قلق وفوضى بالقارة العجوز، فى الوقت الذى تعانى فيه أوروبا حالة من عدم الاستقرار الاقتصادى بسبب التضخم وارتفاع الاسعار، وتعتبر إيطاليا وإسبانيا وبولندا أكثر الدول المتضررة من تلك الأزمة التى تحولت إلى "كابوس" لا ينتهى.
وبالتالي تتكرر مآسي غرق المهاجرين المتوجهين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط بقوارب متهالكة ومكتظة لا تصمد حتى السواحل الأوروبية، ويواجه الاتحاد الأوروبى العدد الأكبر من حالات وصول المهاجرين غير الشرعيين لأراضيه منذ عام 2015، مما يفرض ضغوطا شديدة على خدمات استقبالهم.
وقد وصل أكثر من 14 الف مهاجر إلى الدول الأوروبية منذ بداية عام 2023، وهو يعنى تضاعف عدد المهاجرين الذين وصلوا فى نفس الفترة فى عام 2022 إلى ثلاثة أضعاف، ولهذا السبب أقرت رئيسة وزراء إيطاليا، بعض الإجراءات لاحتواء هذه الظاهرة، مثل زيادة العقوبات على من يعملون مع شبكات استغلال البشر، و الاتجار في البحر.
واستطاعت السلطات إنقاذ ما يقرب من 800 مهاجر كانوا على متن قارب صيد، ووفقًا لخفر السواحل الإيطالي، فإن إنقاذ المهاجرين عملية "معقدة" بسبب الحشد على متن القارب، وبحسب المعلومات التي قدمها غفر السواحل الإيطالي، خارج هذه العمليات، تم إنقاذ حوالي 2000 مهاجر من الجمعة إلى الأحد فيما وصفوه بـ "عدد كبير من عمليات الإنقاذ".
وحذرت السلطات الساحلية من وصول آلاف المهاجرين في الأيام الأخيرة على الساحل الإيطالي، بعد القيام برحلات خطرة على متن قوارب في ظروف محفوفة بالمخاطر من شمال إفريقيا، كما نجح خفر السواحل الأسبوع الماضي في إنقاذ 745 مهاجراً في البحر الأبيض المتوسط.
الدول الأكثر تأثرا بالهجرة غير الشرعية
إيطاليا هي الأكثر تضررا من هذه الأزمة، حيث حتى يوم 23 أغسطس الماضي، وصل 105 آلاف و909 مهاجرين إلى إيطاليا بحرا، بحسب ما ذكرته وزارة الداخلية الإيطالية، مقارنة بـ51 ألفا و328 فى نفس الفترة العام الماضى، ومنذ بداية العام وصل أكثر من 12 الف قاصر غير مصحوبين لإيطاليا.
وكانت الحكومة الإيطالية أعلنت حالة الطوارئ فى أبريل الماضى لمدة 6 أشهر، بسبب ارتفاع أعداد المهاجرين.
أما فى أسبانيا، فقد شهد وصول المهاجرين غير الشرعيين إلى إسبانيا، غالبيتهم عن طريق البحر فى قوارب غير مستقرة، زيادة طفيفة فى شهرى يوليو وأغسطس، حيث وصل إلى 21780 حتى الآن هذا العام، وفقًا للبيانات الرسمية.
ويظهر تقرير صادر عن وزارة الداخلية الإسبانية أنه من بين العدد الإجمالى للمهاجرين غير الشرعيين الذين تم إحصاءهم فى الفترة من 1 يناير إلى 31 أغسطس، وصل 21.025 على متن مراكب غير مستقرة. منهم 8770 بين يوليو وأغسطس، وفقا لصحيفة "الديباتى" الإسبانية.
ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 22,5 % عن الفترة من يناير إلى أغسطس من العام السابق، عندما وصل 17170 مهاجرا إلى السواحل الإسبانية بشكل غير نظامى. وحتى شهر يوليو، كان الاتجاه تنازليًا فى وصول القوارب، لكنه انكسر فى الأسبوعين الأولين من ذلك الشهر وكان يتزايد، خاصة فى أغسطس، بأكثر من 5000.
وسجلت جزر الكنارى أكبر عدد من الوافدين حيث بلغ 11,439 شخصًا، أى أكثر بنسبة 7.5%، على الرغم من أن الزيادة بالنسبة المئوية كانت أكبر من 48% فى أرخبيل جزر البليار المتوسطى وسواحل البر الرئيسى لإسبانيا. أما الباقى فيتعلق بالوافدين إلى سبتة ومليلية، المدينتين الإسبانيتين فى شمال أفريقيا.
أما فرنسا فتعتبر الدولة الأكثر عنفا فى الاتحاد الأوروبى، مع وقوع 1000 جريمة قتل سنويًا و100 هجوم بالسكاكين يوميًا ولذلك فهناك مخاوف من أن ارتفاع نسبة المهاجرين فى البلاد يزيد من عمليات العنف.
وتظاهر الكثيرون من اللاجئين فى باريس وعدد من المدن الفرنسية، احتجاجاً على التغييرات المرتقبة فى قانون الهجرة الفرنسى، وعملية طرد المهاجرين من جزيرة مايوت فى المحيط الهندى.
وفى باريس، سار المتظاهرون خلف لافتة كُتب فيها "لا لقانون دارمانان. ضد القمع والسجن والترحيل"، فى إشارة إلى وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
وفى أوروبا، توصل وزراء الداخلية الأوروبيون، مطلع يونيو إلى اتفاق بالغالبية المؤهلة (موافقة 15 دولة من أصل الأعضاء الـ27 تمثل ما لا يقل عن 65 % من سكان الاتحاد الأوروبي) إلى تعديلات واسعة النطاق على سياسات اللجوء.
وفى ألمانيا، ارتفع عدد طلبات اللجوء بشكل حاد هذا العام، ولمواجهة هذه المعضلة، دعا فريدريش ميرتس، زعيم الحزب الديمقراطى المسيحى المعارض لجملة من الإجراءات المضادة لتسريع عمليات الترحيل، غير أن الأمر لن يكون سهلا.
ووفقاً للمكتب الاتحادى للهجرة واللاجئين، تقدم ما لا يقل عن 175.272 شخصاً بطلب اللجوء فى ألمانيا للمرة الأولى بنهاية يوليو الماضى، أى بزيادة حوالى 78 % مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى.
وقد تفاقمت أزمة المهاجرين فى ظل درجات الحرارة وصلت إلى التجمد على الخدود بين بيلاروسيا وبولندا فى ظل اتهامات اوروبية لحكومة لحكومة الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، فى مينسك، بتشجيع الهجرة عبر بلاده كورقة ضغط ضد الاتحاد الأوروبى.
وتتهم بولندا ودول أخرى أعضاء فى الاتحاد الأوروبى بيلاروسيا بتشجيع المهاجرين غير الشرعيين من الشرق الأوسط وأفغانستان وأفريقيا على اجتياز الحدود إلى الاتحاد الأوروبى، رداً على العقوبات التى فرضها عليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
وفى جنيف، أبدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قلقها إزاء مئات المهاجرين الذين يقيمون فى مخيمات بالقرب من حدود بيلاروسيا مع بولندا، ودعت إلى وقف استغلال الضعفاء فى أغراض سياسية.
وفى اليونان، ترك قبطان قارب ينقل 400 مهاجر عابراً بين اليونان ومالطا، وذلك بعد ان نفذ الوقود من السفينة وغمرت المياه سطحها السفلى، وتحاول السلطات انقاذ المهاجرين الذين انتابهم حالة من الذعر والعديد منهم يحتاجون الى عناية طبية.
وتطالب حكومات دول الاتحاد الأوروبى بالتوصل الى حل جذري ونهائي لأزمة الهجرة، ودعا وزير الداخلية الفرنسى، أنه من المهم أن يكون هناك قانون حازم ضد الهجرة غير الشرعية، مشيرا إلى أنه يمهد الطريق لمدة عام تقريبا لهذا القانون الذى كان سيشمل عنصرين رئيسيين أحدهما لتسهيل طرد الأجانب، والاخر يتعلق بالاندماج وتنظيم بعض العمال فى القطاعات المتوترة.
ورغم تشديد الرقابة الحدودية وسن القوانين التي تمنع دخول الدول بشكل غير شرعي، إلا أن أوروبا لم تفلح في حل المشكلة، بل زادت أرقام المهاجرين وارتفعت عام 2022 إلى ما نسبته 64% عما كانت عليه قبل عام. اليوم ووفقاً لأحدث التقارير الدولية في هذا الشأن، يوجد أكثر من 110 ملايين شخص نازح حول العالم، معظمهم من النساء والأطفال الذين يفرون من ويلات يتعرضون إليه بسبب النزاعات، إلى جانب المخاطر الإضافية التي تواجه العديد منهم أثناء بحثهم عن الملجأ والملاذ الآمن.
ووفق التقارير الدولية ارتفعت أعداد القتلى والمفقودين الذين حاولوا العبور إلى أوروبا بين أغسطس 2022 ويونيو 2023 إلى نسبة أعلى بـ77 % عن العام السابق، الأمر الذي يتطلب اهتماماً من المجتمع الدولي لمعالجة القضية من جذورها عبر جهود تنموية شاملة، وتعاون وثيق بين جميع الدول المتأثرة، بما في ذلك دول المصدر والعبور والدول المستضيفة. الظاهرة تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهو ما دفع مجلس الأمن إلى طرحها للنقاش في جلساته العامة بعد تصنيفها في المرتبة الثالثة بعد الإتجار بالمخدرات والأسلحة، ولأنه لم يعد ممكناً لأي دولة التصدي لها وحدها، بل لا بد من تعاون على المستويين الوطني والدولي. لكن ما هي الإجراءات الوقائية والأمنية التي يجب اتخاذها للحد من انتشار الظاهرة.