ليبيا ٢٠٢٣.. بدون انتخابات ولا مؤسسات موحدة وسيطرة المرتزقة والفيضانات
ليبيا تودع 2023 ولم تتم حل الأزمة الليبية حتى الآن، والتي تطرق عامها الثالث عشر؛ فلا انتخابات رئاسية سطرت، ولا مؤسسات موحدة، فيما المرتزقة والقوات الأجنبية، قابضة على المنطقة الغربية منها.
كما أن ليبيا شهدت أزمات أضيفت إلى نكبات طبيعية، كفيضانات درنة التي أطاحت بالأخضر واليابس، وأرقت الليبيين، وأنهكت مواردهم التي باتت محدودة، رغم ما تزخر به من ثروات طبيعية هائلة، فيما بعض ساستهم على مواقفهم متعنتين، وعن الحل «غافلين»، بل إنهم واصلوا وضع العصى في الدواليب، لكي يظل الوضع متأزماً.
وقال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالمؤتمر الوطني الليبي السابق عبدالمنعم اليسير، إن «الوضع القائم لا يبشر بإجراء أي انتخابات في العام المقبل (2024)، إلا إذا حدثت انتفاضة شعبية عارمة، تجبر الأطراف التي وصفها بـ(المعرقلة) إلى الذهاب نحو انتخابات أكد أنها حق طبيعي وشرعي للشعب».
فرغم أن الشعب الليبي أقدم على التسجيل للانتخابات بالوصول إلى مليونين و800 ألف ناخب، فإن «القوة القاهرة على الأرض تحسم الأمر لصالحها، بعرقلة أو منع الشعب من المضي قدما إلى الانتخابات، بعد خطوة التسجيل»، بحسب اليسير، الذي قال إنه من الواضح أن الوضع القائم في حالة «انسداد متناغم».
وكان رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا عماد السايح، قال في تصريحات سابقة، إن عقبات أمنية وقضائية وسياسية شكلت ما وصفه بـ«قوة قاهرة» منعت عقد الانتخابات في موعدها، إلا أنه رغم إعلانه بنهاية أغسطس عام 2022، وزوال هذه «القوة القاهرة»، تعثرت ليبيا في المضي قدما نحو الاستحقاق الديمقراطي.
وأوضح رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا عماد السايح، أن «الأطراف الموجودة على الأرض والتي ترأس جهات بعينها، من مصلحتها عدم الدخول إلى الاستحقاق الانتخابي الذي سيطيح بهم من المشهد، ما يعني أنه من الطبيعي أن يكونوا معرقلين، رغم ادعاءاتهم بأنهم مع الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية».
وأشار رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا عماد السايح، إلى أنه إذا كانت هناك ضمانات بأن أحد الأطراف سيختفي أو يخسر في الانتخابات، فسيدفع الطرف الآخر إلى انتخابات، ما دامت ستقصي منافسه، محذرًا من أن استمرار هذا الوضع، سيجعل من الذهاب إلى الاستحقاق الديمقراطي أصعب.
وتوقع المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، ألا يفضي إلى تغيير واضح، في العام 2024، «عما رأيناه في الأعوام السابقة، منذ الحوار السياسي الذي قادته البعثة الأممية وأنتج حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وما تبعها من تبعات تعاني منها ليبيا حتى اليوم».
وأوضح المحلل السياسي الليبي، أن عام 2024 سيبدأ بذات الصيغة التي أنتجت حكومة الدبيبة؛ بحوار أممي تقوده البعثة الأممية، في محاولة لتعديل وتوحيد الجسم التنفيذي، ورأب الصدع الموجود بين الليبيين»، إلا أن «هذه المحاولات ستكون نصف ناجحة، وستفضي إلى انتخابات برلمانية فقط، دون الذهاب إلى انتخابات رئاسية»، مشيرًا إلى أنه «ربما قد يقود نجاح انتخابات البرلمان، البلاد نحو الذهاب إلى انتخابات رئاسية لن تكون في العام 2024».
آمال مشروطة
ورغم ذلك، فإن المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، قال إن مبادرة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي الأخيرة ستكون محطة فاصلة فيما يتعلق بإمكانية تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في النصف الأول من عام 2024.
وكان المبعوث الأممي دعا الأطراف الخمسة الرئيسية في ليبيا، وهم: رئيسا مجلسي النواب عقيلة صالح والدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية (منتهية الولاية) عبدالحميد الدبيبة، وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، مطالبًا إياهم بالانخراط في حوار تحضيري لقمة خماسية.
دعوة قال عنها المرعاش، إنها «الأكثر واقعية في كل ما سبقها من مبادرات أممية»، مشيرًا إلى أنه إذا نجح في جمع هذه الأطراف الخمس وفق الشروط التالية، فإنه سيكون أول مبعوث أممي يحقق نجاحًا في الأزمة الليبية المعقدة.
وسرد المحلل الليبي شروطًا خمسة للاجتماع الخماسي، كانت كالتالي:
- ضرورة أن يكون الاجتماع في العاصمة طرابلس حصراً وليس خارج ليبيا.
- تمثيل هذه الأطراف الخمسة بقياداتها الهرمية، دون الإنابة.
- جدول أعمال من مادتين، وهما:
تسوية الخلافات حول القوانين الانتخابية، وإعداد ملحق تنفيذي لها، يساعد المفوضية العليا للانتخابات على تنفيذ القانون الانتخابي المتفق عليه، بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة دون المساس بجوهر القانون.
تشكيل حكومة تكنوقراط مصغرة تبسط نفوذها على كامل التراب الليبي، وهدفها الأساسي الإشراف على تنظيم الانتخابات، وتسليم السلطة لحكومة شرعية موحدة للبلاد.
دعوة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ومصر وتركيا للمشاركة بصفة مراقب.
إعداد تقارير ترفع إلى مجلس الامن الدولي، وتسمية الأطراف المعرقلة لتنظيم الانتخابات، والطلب لمجلس الأمن الدولي لإخراجها من المشهد السياسي الليبي.
وأشار المحلل الليبي، إلى أنه إذا كان هناك توافق بين هذه الأطراف الخمسة التي يتوجب عليها التنازل لأحدها الآخر، فإنه بالإمكان تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية شفافة يعترف بنتائجها الجميع.
وحذر من أن عدم حدوث ذلك، فإن الوضع الراهن سيستمر، وسيقود الانقسام «المؤذي اقتصادياً»، ليبيا إلى «مستنقع الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية، ورهن مقدراتها لهذه المؤسسات».
توحيد المؤسسات
بحسب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالمؤتمر الوطني الليبي السابق عبد المنعم اليسير، فإنه «من الصعب رؤية توحيد مؤسسات حقيقي في العام 2024»، مشيرًا إلى أنه «إن كانت أي إنجازات في هذا الصدد، فستكون من أجل تقاسم الغنائم، لا بهدف الدفع إلى الاستقرار».
وأوضح اليسير، أن «توحيد المؤسسات بات بمثابة لعبة الكراسي؛ فالكثير من المنهمكين في الحكومة والحكومة الموازية، باتوا يستمتعون بالوضع الفوضوي القائم الذي يتيح لها الاستحواذ على الأموال والثراء الفاحش دون محاسبة، فيما باقي الشعب يعاني، والفوارق بين الطبقات باتت كبيرة للغاية»، على حد قوله.
توحيد تلك المؤسسات، قال عنه المحلل الليبي أيوب الأوجلي، إنه ليس مطلبا شعبيا وداخليا فقط، بل خارجيا كذلك، مشيرًا إلى أنه حال نجاح البعثة الأممية في المضي قدما في تلك الخطوة، فسيعطي ذلك الأمر، بعدًا آخر للأزمة الليبية.
وأشار إلى أن أهم هذه المؤسسات هي الحكومة، التي تقود البعثة الأممية مبادرات لتوحيدها، بجسم تنفيذي موحد يقود البلاد، وينهي الانقسام الحالي.
اللجنة العسكرية
وقال الأوجلي، إن أعمال اللجنة العسكرية وصلت إلى نهايتها، «فلن يكون هناك تقدم، دون توحيد الحكومة»، مشيرًا إلى أن «عملها بات روتينيا، كونها توصلت إلى جميع الاتفاقات، إلا أن تلك الأخيرة تتطلب حكومة تنفيذية موحدة ترعاها وتقوم على تنفيذها».
لكنه توقع توحيد تلك الحكومة، بما يسمح بتقدم أعمال اللجنة العسكرية، سيحدث في النصف الثاني من العام 2024، وليس في بداياته؛ مشيرًا إلى أن «الدفع نحو خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، ستعد من أهم الخطوات التي ستسهم في تغيير المشهد الليبي بشكل كامل».
ورغم ذلك، إلا أن رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالمؤتمر الوطني الليبي السابق عبد المنعم اليسير، وصف وضع اللجنة العسكرية الحالي بـ«شبه الميت أو في حالة غيبوبة»، مشيرًا إلى أن «ما أنجزته إلى الآن بالوصول لتوافق حول توحيد الجيش، يقع تنفيذه على جهات أكبر منها؛ بينها المجتمع الدولي».
وقلل من أهمية اتفاقات اللجنة العسكرية، في المضي قدما نحو إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، أو توحيد الجيش، ما دامت لا توجد هناك نية دولية، في أن تكون ليبيا دولة مستقرة، مشيرًا إلى أن «هناك أطرافًا -لم يسمها- مستفيدة من النفوذ الأجنبي، وبقائه، ما يعني أن ليبيا ستبقى في هذه الدوامة إلى حين».
الأمر نفسه أشار إليه المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، والذي قال، إن «الزمن تجاوز اللجنة العسكرية، فلم تعد ذات أهمية وفعالية»، مشيرًا إلى أنها «أنجزت ما عليها، ولا يمكنها إعطاء المزيد، لذا فهي أصبحت من الماضي».
وأشار إلى أن ما توصلت إليه اللجنة العسكرية في مسألة توحيد الجيش، سيكون القاعدة الأساسية في إعادة بناء ذلك الجسم العسكري من جديد، إلا أن ذلك «لن يكون ذلك ممكنا إلا بانتخاب رئيس للبلاد، بالاقتراع المباشر من الشعب، ليكون له سلطات عسكرية مباشرة تمكنه من إعادة تنظيم الجيش وبنائه بعقيدة جديدة، بعيدة عن كل المؤثرات الأيدولوجية أو الجهوية».
البعثة الأممية
ويواجه دور البعثة الأممية، علامات استفهام، واتهامات بين الحين والآخر في ليبيا، بأنها «تعمل لأجل تنفيذ مصالح الدول الغربية، وليس من أجل الليبيين»، ما يعني أن بقاءها واستمرارها، يثير الكثير من التساؤلات، فهل سيقول العام 2024، كلمة في هذا القبيل؟
وقال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، إن ولاية البعثة الأممية، محددة، مشيرًا إلى أن أمر تمديد مهمة رئيسها من عدمه، سيكون في يد الدول الفاعلة التي تحدد سياسة البعثة أصلا».
وضع لم يختلف عليه رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بالمؤتمر الوطني الليبي السابق عبد المنعم اليسير، قائلا إن «مصير البعثة الأممية الحالية، سيكون مشابهًا لما سبقها، ممثلا في إعادة تدوير لنفس المواد».
والأمر نفسه، أشار إليه المحلل السياسي أيوب الأوجلي، قائلا، إن البعثة الأممية «ستستمر في نهجها الذي يعتبره الليبيون فاشلا، لأنه يخدم مصالحها هي وتلك الدول، دون الأزمة الليبية».