مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

شركة إماراتية تمنح جنوب السودان 13 مليار دولار

نشر
الأمصار

تتعهد شركة إماراتية بإقراض جنوب السودان 13 مليار دولار مقابل النفط، الصفقة من أكبر صفقات النفط مقابل النقد على الإطلاق وأحدث تدخل في دولة مزقتها المجاعة والنزاعات.

وافقت شركة معروفة على نطاق ضيق يديرها شخص على صلة قرابة بعيدة بالعائلة الحاكمة في أبو ظبي الإمارات، على إقراض جنوب السودان 12 مليار يورو (12.9 مليار دولار) مقابل سداد المبلغ بالنفط، ما يجعلها إحدى أكبر صفقات النفط مقابل النقد على الإطلاق، وأحدث تدخل من هذا النوع في دولة أفريقية تواجه تحديات جمة.

بحسب تقرير لم يُنشر أعدته هيئة محققين عينها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واطلعت عليه "بلومبرغ"، يبدو أن شركة "حمد بن خليفة ديبارتمنت أوف بروجكتس (HBK DOP)"، ومقرها في دبي- ووزير مالية جنوب السودان في ذلك الحين باك برنابا شول، اتفقا على شروط القرض في مستندات تم توقيعها في الفترة ما بين ديسمبر وفبراير الماضيين.
ويبلغ حجم الصفقة نحو ضعف الناتج المحلي الإجمالي لدولة جنوب السودان التي مزقتها المجاعة والنزاعات، وخُصص 70% من الأموال للبنية التحتية، وفق المستندات التي اطلع عليها المحققون، إلا أن قرضاً بهذا الحجم، الذي قارب 5 أضعاف الدين الخارجي الحالي لجنوب السودان، قد يعيق إيرادات جنوب السودان من النفط لسنوات عديدة على الأرجح، وفق التقرير الذي لم يُنشر.

إمدادات نفط بسعر مخفض

بالنسبة للشركة التي أسسها الشيخ حمد بن خليفة آل نهيان، الذي تربطه صلة قرابة بعيدة بالعائلة الحاكمة في أبو ظبي، فقد يضمن لها القرض إمكانية الحصول على النفط بسعر مخفض لمدة تصل إلى عقدين، وبموجب الاتفاقية، ستبيع جنوب السودان النفط بسعر يقل عن السعر المرجعي العالمي بمقدار 10 دولارات للبرميل.

جيمس كَست، الخبير الاقتصادي الكبير السابق لدى البنك الدولي والمحاضر الزائر بجامعة أوكسفورد، قال إن "ذلك سيُعد رهاناً كبيراً جداً على تلك الشراكة الخاصة ستمتد تبعاته لعدة حكومات، إنها صفقة ضخمة، وستستمر لفترة طويلة".
لم يتضح إن كانت دفعة أولى من القرض بقيمة 5 مليارات دولار قد تم تسليمها، ولم تنجح محاولات التواصل مع الشركة للحصول على تعليق.

عائدات جنوب السودان تتراجع بعد تعطل خط أنابيب لتصدير النفط

جُمِّد عرض قدمه الشيخ حمد لشراء حصة في نادي كرة قدم إسرائيلي، بعدما أثارت إدارة الدوري شكوكاً حول ثروته الصافية واستثماراته.

لم يرد وزير مالية جنوب السودان الحالي على طلب التعليق، فيما رفض شول، الذي أقاله الرئيس سيلفا كير في مارس وسط تقارير إعلامية محلية عن تفاقم الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، التعليق، تعذر الاتصال الهاتفي مباشرة بوزير إعلام جنوب السودان، ولم يرد المكتب الإعلامي لحكومة دبي على طلب التعليق حتى الآن.
ويأتي القرض في وسط موجة توسع قوية لدول الخليج والشركات الإقليمية في الأسواق الجديدة، فقدمت الإمارات في فبراير دعماً مالياً لمصر بقيمة 35 مليار دولار، كما تعهدت باستثمارات في الدول الأفريقية تتجاوز أي منطقة أخرى.
قد تمثل القروض المضمونة بالنفط خياراً جذاباً للدول النامية الغنية بالموارد الطبيعية، إذ عادة ما تواجه تلك الدول صعوبات في الحصول على تمويل تقليدي كبير. من الناحية النظرية، إذا اتسم الاقتراض بالشفافية، وكانت الشروط مناسبة، وأُحسن اختيار المشروعات، فقد تحقق عوائد إيجابية.
إلا أن تلك القروض مرتفعة المخاطر، فقبل عقد تقريباً، أدخل قرض قيمته 1.5 مليار دولار حصلت عليه تشاد من شركة غلينكور ودائنين مشتركين آخرين البلاد في أزمة بعد هبوط أسعار النفط، واضطرت الحكومة إلى توجيه تدفق إيراداتها الرئيسي إلى السداد لشركة التجارة السويسرية.
ما يزال هناك جزء من هذا القرض لم يُسدد حتى الآن، وأدت النزاعات مع غلينكور إلى تأجيل أحدث خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي للبلاد، وقد سببت صفقات مشابهة أزمة ديون لدول أخرى منتجة للنفط، مثل جمهورية الكونغو.
وصف أكينومي أدسينا، رئيس مجموعة البنك الأفريقي للتنمية، القروض المضمونة بالموارد الطبيعية بأنها "كارثة على أفريقيا".

وأشارت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا إلى أن تلك القروض قد تكون "جائرة وتشكل نوعاً من الاستعباد".

مشكلات سابقة بسبب القروض

لدى جنوب السودان سجل حافل بالمشكلات المرتبطة بهذا النوع من الصفقات، وخسرت حكومتها دعاوى بسبب عدم تمكنها من السداد.
سبق وكشف المحققون الذين عينتهم الأمم المتحدة، أن دولة جنوب السودان دفعت 95 مليون دولار رسوماً وفوائد وتكاليف عن قرض بقيمة 446 مليون دولار، ونتج عن ذلك خسارة نحو 25% من الإيرادات الحكومية المحتملة، مقارنة بحالة بيع النفط من خلال عقود الفورية، وفق ما ورد في تقرير للمحققين نُشر في أبريل 2021، وتمثل صادرات النفط نحو 90% من مصادر دخل البلاد.

في 2019، وافقت حكومة جنوب السودان على التخلي عن قروض جديدة بضمان النفط للحصول على حزمة دعم قيمتها 52 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، وقد تزامن القرار مع إصدار الصندوق بياناً بأن القروض المضمونة بالنفط "تتسم بعدم الشفافية، ومرتفعة التكلفة، وتشجع على إساءة استغلال الموارد، وتعقد إدارة المالية العامة".

أصبحت الشركات التي يقع مقرها في الإمارات دائنين دوريين لجنوب السودان، ففي 2022، كشف المحققون الذين عينتهم الأمم المتحدة أن حصيلة قروض بعينها دُفعت إلى حسابات حكومة جنوب السودان في الإمارات، بدلاً من دخولها إلى حساب البلاد المخصص لإيرادات النفط.

مخاوف من مواصلة جوبا نهج النقد مقابل النفط

وأثار المحققون في أحدث تقرير لهم مخاوف إزاء استمرار جنوب السودان في الاتفاق على قروض النقد مقابل النفط، وكتبوا أن "رغم الصعوبات التي تواجهها دولة جنوب السودان في إدارة الديون المضمونة بالنفط، اطلعت اللجنة على مستندات تفيد بأن الحكومة تتفاوض على ما سيُعد أكبر قرض مضمون بالنفط تحصل عليه على الإطلاق".

يبدو أن الموافقة على مستندات القرض لم تصدر عبر القنوات الرسمية في الدولة، والتي تشمل اللجنة الفنية للقروض أو البرلمان، رغم أن هذا أمر غير معتاد، وفق اللجنة، التي كتبت أيضاً أن تلك المفاوضات على قروض النقد مقابل النفط في أغلب الأحيان لم تشمل الوزارات المعنية أو لم يُخطر بها البرلمان.

القرض الذي ستقدمه شركة "حمد بن خليفة ديبارتمنت أوف بروجكتس"، والذي تم التفاوض عليه على هامش قمة المناخ "كوب 28"، التي أُقيمت في ديسمبر في دبي، قد يجبر جنوب السودان على مواصلة إنتاج النفط حتى 2043 على الأقل، ما يتجاوز العمر الافتراضي لآبار النفط القائمة في البلاد، وبعد 3 فترات سماح مبدئية، سيُضمن سداد القرض بتسليم النفط لمدة تصل إلى 17 عاماً، وفق المحققين.

وقال الخبير الاقتصادي كَست: "إذا تبيّن في نهاية المطاف أن الصفقة ليست في صالح جنوب السودان، سيوفر ذلك خفضاً كبيراً لسعر النفط الذي تمد به الأسواق".