كيف تستفيد ليبيا من انضمام مصرفها المركزي إلى بنك التسويات الدولية؟
سيستفيد مصرف ليبيا المركزي مستقبلاً من الدعم الفني والدخول في سوق العملات الرقمية إضافة إلى بقية الخدمات التي يقدمها بنك التسويات الدولية للمصارف المركزية، وذلك إثر إعلان المدير التنفيذي لبنك التسويات الدولية أوغستين كارستن الجمعة الماضي، عن موافقة البنك على انضمام مصرف ليبيا المركزي إلى مجموعته.
وناقش رئيس مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير والوفد المرافق له بمقر بنك التسويات الدولية في سويسرا، إجراءات توحيد المصرف المركزي (منقسم بين الغرب والشرق الليبي منذ عام 2014، وأعلن عن انتهاء الانقسام عام 2023 ولكنه بقي حبراً على ورق)، وسبل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفق ما جاء في البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لمصرف ليبيا المركزي.
وفور انتشار الخبر ظهرت مخاوف عدد من الليبيين على صفحات التواصل الاجتماعي تخشى “ارتهان ليبيا للمصارف الدولية”، إذ قال أحدهم إن “سياسة مصرف ليبيا المركزي في الأعوام الأخيرة تتجه نحو الإفلاس وعدم التطوير الاقتصادي، إضافة إلى افتقار المصرف لسياسات مالية جديدة تتماشى مع سياسة البنك الدولي التي تهدف بدورها إلى ضم ليبيا إلى قائمة الدول المدينة، وهي مرحلة ستحول ليبيا إلى دولة مفلسة”.
من جهته، لم يخف وليد زغبية هو الآخر استغرابه من حديث وفد مصرف ليبيا المركزي عن الاستدامة المالية التي ستحققها ليبيا من خلال انضمامها إلى بنك التسويات الدولي، متسائلاً “كيف لدولة نفطية هى الثانية على القارة الأفريقية والعاشرة في الاحتياط النفطي على العالم وشعبها لا يتجاوز سبعة ملايين نسمة، لا تمتلك استدامة مالية ولا بنية تحتية وعملتها المحلية في انخفاض متواصل أمام بقية العملات الأجنبية إذ يصل فيها الدولار إلى سبعة دنانير ليبية”.
مخاوف وصفها المتخصص في الشأن الاقتصادي في جامعة “مصراتة” عبدالحميد الفضيل بـ”غير المنطقية”، منبهاً أن هناك فرقاً بين صندوق النقد الدولي IMF، الذي انضمت إليه ليبيا منذ عام 1958، وبنك التسويات الدولية BIS الذي وافق على انضمام ليبيا إليه أخيراً. وأضاف المتخصص في الشأن الاقتصادي أن المخاوف التي غزت صفحات الإنترنت إثر تأكيد انضمام ليبيا إلى بنك التسويات الدولية “غير مبررة على الإطلاق”، على رغم أن بنك التسويات الدولية هو الآخر يقدم قروضاً قصيرة الأجل للدول الأعضاء، ولكن الانضمام لا يعني أن ليبيا ستقوم بتقديم طلب للحصول على قرض من BIS، باعتبارها بعيدة كل البعد في الأمد القريب والمتوسط من الاقتراض من أية مؤسسة نقدية دولية، كونها تمتلك احتياطات كبيرة تتجاوز 82 مليار دولار ليبي (17.01 مليار دولار أميركي)، وبالتالي لن تكون ملزمة بتنفيذ أية توصيات تقدمها أية مؤسسة نقدية دولية.
الدعم الفني
وأوضح المتخصص في الشأن الاقتصادي أن بنك التسويات الدولية BIS هو مؤسسة دولية تأسست في مدينة بال السويسرية عام 1930، ويعد بمثابة بنك للبنوك المركزية في العالم، ويهدف بالدرجة الأولى إلى تقديم الدعم الفني وتعزيز التعاون النقدي والمالي الدولي، وبخاصة في ما يتعلق بتطوير السياسات النقدية للبنوك المركزية المنظمة لمصرف التسويات الدولية.
واعتبر انضمام البنك المركزي الليبي إلى BIS “فرصة جيدة” أمام مصرف ليبيا المركزي للاستفادة من الخدمات والدعم الفني الذي يقدمه للبنوك المركزية، وبخاصة أن الاقتصاد الليبي يعاني عدداً من المشكلات النقدية، المتمثلة في أزمة السيولة النقدية وتدهور قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأخرى، وأبرز أن بنك التسويات الدولية سيعمل على تقديم الدعم الفني والمشورة في ما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والفساد، موضحاً أن هذا الانضمام سيمكن المصرف المركزي الليبي من استثمار احتياطاته من النقد الأجنبي.
خطوة استراتيجية
وتابع الفضيل، أن هذا الانضمام يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز دور ليبيا في سوق العملات الرقمية، وبخاصة أن بنك التسويات الدولية سيساعد البنك المركزي الليبي في الدخول بسرعة أكبر في سوق العملات الرقمية في حال ما وجدت الإرادة الحقيقية لذلك، خصوصاً أن بنك التسويات يقدم المشورة الفنية للدول الأعضاء. وقال إن بنك التسويات الدولية في الآونة الأخيرة أعلن عن عدد من مشروعات الترميز والعملات الرقمية، ما سيمكن الدول الأعضاء بما فيها ليبيا من الاستفادة من هذه المشروعات والتقدم فيها بخطوات كبيرة في وقت وجيز، نتيجة الخبرات المتراكمة التي اكتسبها بنك التسويات الدولية.
توحيد المصرف
وفي ما يخص حديث رئيس مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، عن أهمية الانضمام إلى بنك التسويات الدولية، الذي سيعمل على تقديم المساعدة في توحيد المؤسسة المصرفية المركزية المنقسمة بين القطبين الشرقي والغربي، أوضح الفضيل، أنه على رغم أن الإشكالية الرئيسة في إتمام توحيد مصرف ليبيا المركزي هي سياسية بالدرجة الأولى، خصوصاً بعد المحاولات المتكررة لتوحيده بوساطة دولية خلال الأعوام السابقة والتي لوحظ أنها تسير ببطء كبير، فإنه يمكن لـ ليبيا الاستعانة ببنك التسويات الدولية للمساعدة في هذا الشأن من خلال تقديم الخدمات والدعم والاستشارات التي يمكن الاستفادة منها في عملية التوحيد، ما ينعكس إيجاباً على الاستقرار النقدي والمالي للدولة الليبية، وبخاصة بعد لقاء مديري الإدارات المتخصصة في بنك التسويات الدولية مع محافظ المصرف المركزي الليبي ونائبه في مدينة بال السويسرية، على هامش الاجتماعات السنوية لـ BIS، إذ طرح ملف التوحيد على طاولة النقاش إضافة إلى المجهودات المبذولة في الامتثال لإجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وخلص المتخصص في الشأن الاقتصادي عبدالحميد الفضيل، إلى أن إمكانية الاستفادة من الانضمام إلى هكذا مؤسسات نقدية دولية، يتوقف بالدرجة الأولى على كفاءة السلطة النقدية التي يدار بها البنك المركزي في الدولة العضو، والبنك المركزي الليبي لا يدار من خلال مجلس الإدارة كما هو منصوص عليه في قانون المصارف الليبي رقم (1) لعام 2025، نتيجة تواصل انقسام المصرف المركزي منذ عقد من الزمن، وبالتالي هذا الأمر يعد نقطة ضعف كبيرة لا تصب في اتجاه التنبؤ بوجود استفادة كبيرة من هذا الانضمام في المستقبل البعيد.