المصرف المركزي والكهرباء ومرفأ بيروت.. قطاعات حيوية تتسبب في انهيار الاقتصاد اللبناني
يشكل الفساد في لبنان أحد أبرز الأسباب لانهياره الاقتصادي، ويعاني البلد من فضائح متكررة في قطاعات حيوية كالكهرباء والمصرف المركزي والنفايات والاتصالات.
وعلى رغم من وجود قوانين كافية لمكافحة الفساد، فإن المشكلة الأساسية تكمن في غياب الإرادة السياسية لتنفيذها.
ويشكل الفساد إحدى أبرز المعضلات التي تعصف بلبنان منذ عقود، وأوصلت البلاد إلى انهيار تاريخي صنفه البنك الدولي بأنه واحد من أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية حصلت خلال 150 عاماً.
وباتت الأزمات المتكررة تشير بوضوح إلى أن المشكلة تكمن في عدم تطبيق القوانين وفي النظام السياسي الطائفي الذي يعرقل العدالة ويحمي الفاسدين، بالتالي لن يكون الحل في مزيد من التشريعات فقط، بل في إعادة النظر في النظام السياسي وتعزيز استقلالية القضاء ومؤسسات الرقابة.
ويرى عدد من النشطاء والمحللين، أن الإطار القانوني اللبناني يحوي ما يكفي من القوانين لمكافحة الفساد. فالقوانين الحالية، بما فيها الجزائية، تجرم بوضوح الأفعال المرتبطة بالفساد واستغلال السلطة وتبييض الأموال.
ووفقاً لهذا الرأي، المشكلة ليست في غياب القوانين بل في غياب الإرادة السياسية لتطبيق هذه القوانين على الأرض، وبعبارة أخرى، يتهم السياسيون والنخب الحاكمة بعدم اتخاذ خطوات فعلية لمحاربة الفساد.
فضائح من دون عقاب
ومنذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 والإعلان عن مرحلة جديدة من الاستقرار وبناء دولة، كان لافتاً التراشق السياسي حول عشرات فضائح الفساد والهدر في المال العام، لتنتهي وتخمد بتسويات بين المعنيين من القوى السياسية والطائفية من دون أن تكون هناك إجراءات قضائية بحق المرتكبين، على رغم أن تلك الفضائح هزت الرأي العام وأثرت سلباً على الاقتصاد والسياسة. وفي ما يلي أبرز فضائح الفساد التي طبعت الساحة اللبنانية:
فضيحة الكهرباء:
يعد قطاع الكهرباء أحد أبرز ملفات الفساد المزمنة في لبنان، ومنذ نهاية الحرب الأهلية في التسعينيات، أنفق لبنان مليارات الدولارات على مشاريع لتحسين قطاع الكهرباء، إلا أن البلاد لا تزال تعاني نقصاً حاداً في التغذية الكهربائية.
ويُتهم السياسيون والمقاولون بالتربح الشخصي من صفقات شراء الوقود، العقود المتعلقة ببناء المحطات، واستئجار البواخر لتوليد الطاقة، والفشل المستمر في إصلاح هذا القطاع أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي بصورة مستمرة وتكبيد خزانة الدولة خسائر فادحة.
فضيحة النفايات:
في عام 2015 اندلعت هذه الأزمة عندما توقفت الحكومة عن جمع النفايات في بيروت وضواحيها، مما أدى إلى تراكم القمامة في الشوارع، والسبب الرئيس كان فشل الحكومة في التوصل إلى خطة مستدامة لإدارة هذا الملف، وبرزت اتهامات حول فساد في العقود المتعلقة بمكبات النفايات ومعامل المعالجة، وتم تحويل الأموال من دون تحسين الوضع البيئي أو التخلص الآمن من النفايات، وعلى رغم الحملات الشعبية والحراك المدني ضد الفساد، لم يتم تحقيق إصلاح حقيقي في هذا القطاع.
الفساد في المصرف المركزي والبنوك:
بدأ خلال الأزمة المالية في 2019 حيث تفجرت فضائح تتعلق بسوء إدارة المصرف المركزي والقطاع المصرفي، وتم اتهام حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بالتورط في فساد مالي وإدارة غير شفافة للسياسات النقدية.
وأبرز الفضائح تمثلت في تهريب أموال كبار السياسيين والمصرفيين إلى الخارج في وقت كانت فيه الحسابات المصرفية للبنانيين مجمدة بسبب القيود المالية ويواجه سلامة الموقوف حالياً في لبنان، تحقيقات دولية بتهم تتعلق بغسل الأموال والإثراء غير المشروع.
فضيحة المرفأ والتهريب:
مرفأ بيروت كان دائماً مركزاً للتهريب والفساد، وتم الكشف عن تورط مسؤولين في عمليات تهريب البضائع والأسلحة لصالح بعض الفصائل السياسية، إضافة إلى ذلك، حادثة انفجار مرفأ بيروت في أغسطس (آب) 2020 كشفت عن مستويات عالية من الإهمال والفساد، إذ تم تخزين أطنان من نيترات الأمونيوم بشكل غير آمن في المرفأ لسنوات، مما أدى إلى واحدة من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، وحتى اليوم، لم يحاسب أحد بشكل فعلي على هذه الكارثة على رغم التحقيقات الجارية.
فضائح وزارة الاتصالات:
تعد هذه الوزارة واحدة من أكثر الوزارات المثيرة للجدل في لبنان، وظهرت فضائح متعددة تتعلق بإهدار المال العام وسوء إدارة هذا القطاع.
وتتهم هذه الوزارة بمنح عقود بأسعار مرتفعة، وتحويل الأرباح إلى جهات سياسية محددة، وعلى رغم إمكانات قطاع الاتصالات في تحقيق إيرادات كبيرة لخزانة الدولة، فإن الفساد المستشري أضعف استفادة الدولة من هذا القطاع الحيوي.
قضية القروض المدعومة:
كان يفترض أن تخصص هذه القروض لمحدودي الدخل وشراء المساكن، إلا أنه تم استغلال هذه القروض من قبل شخصيات سياسية وأثرياء، مما أدى إلى حرمان اللبنانيين المستحقين من هذه الأموال، وتم تحقيق استفادات غير مشروعة من الأموال العامة التي كانت مخصصة لدعم الفئات المحتاجة.
صندوق المهجرين:
تأسس هذا الصندوق بعد الحرب الأهلية اللبنانية في التسعينيات بهدف إعادة إعمار المنازل المتضررة وتعويض المهجرين، ولكن الفساد والمحسوبيات طاولت هذا الصندوق أيضاً وكلفت الدولة نحو 15 مليار دولار، واستغلت جهات سياسية المال العام لخدمة مصالحها الشخصية، مما أدى إلى تبديد أموال الصندوق وإعاقة تحقيق أهدافه، وعدم تلقي آلاف المستحقين أموالهم.