اتفاق مبدئي يفتح الباب لحل أزمة المصرف المركزي الليبي
في خطوة تهدف إلى إنهاء التوترات المستمرة حول إدارة المصرف المركزي الليبي، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن التوصل إلى اتفاق مبدئي بين الأطراف المتنازعة، ما يمهد الطريق لحل الأزمة التي تعصف بالمصرف منذ أكثر من شهر.
هذا الاتفاق جاء بعد مشاورات مكثفة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وهو ما قد يُعتبر خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار المالي في البلاد، التي تشهد حالة من الانقسام السياسي والاقتصادي منذ سنوات.
بدأت أزمة المصرف المركزي الليبي في أعقاب قرار المجلس الرئاسي للدولة منتصف الشهر الماضي بإعفاء المحافظ السابق، الصديق الكبير، من مهامه، بسبب اعتراضات وتحفظات على أدائه وطريقة إدارته. جاء هذا القرار في ظل انقسامات سياسية حادة بين شرق وغرب البلاد، حيث تدير طرابلس حكومة معترف بها دوليًا بقيادة عبد الحميد الدبيبة، بينما يدير شرق ليبيا حكومة منافسة بقيادة أسامة حماد، وتحظى بدعم البرلمان.
هذا التوتر السياسي أدى إلى تبعات اقتصادية خطيرة، حيث أغلق المصرف المركزي أبوابه بعد تعرض مسؤوليه لتهديدات واختطاف أحدهم على يد مجموعة مسلحة.
تصاعدت الأزمة بشكل أكبر عندما قامت سلطات شرق ليبيا بوقف إنتاج النفط وتصديره، احتجاجًا على سيطرة السلطات في طرابلس على مقر المصرف المركزي الذي يدير إيرادات النفط وتوزيعها بين المناطق المختلفة.
الاتفاق المبدئي
وفقًا لبيان الأمم المتحدة، توصل ممثلو مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى اتفاق بشأن تعيين قيادة جديدة للمصرف المركزي. هذا الاتفاق يشمل تعيين محافظ جديد ونائب له، بالإضافة إلى مجلس إدارة جديد.
وسيتم توقيع الاتفاق بشكل رسمي بحضور ممثلين عن المجتمع الدولي، ما يعزز من شرعية هذا الحل ويمنحه دعمًا دوليًا، خاصة في ظل رفض بعض الأطراف الدولية، مثل الولايات المتحدة ودول غربية، لأي قرارات أحادية الجانب تتعلق بإدارة المصرف.
تداعيات الاتفاق على الاقتصاد الليبي
يُعتبر المصرف المركزي العمود الفقري للاقتصاد الليبي، حيث يشرف على إدارة إيرادات النفط وتوزيعها بين مختلف المناطق، ويؤثر بشكل مباشر على الموازنة العامة للدولة. مع توقف إنتاج النفط وتصديره نتيجة الأزمة، شهد الاقتصاد الليبي تراجعًا ملحوظًا، حيث تعتمد ليبيا بشكل كبير على عائدات النفط في تمويل القطاعات المختلفة.
ومع توقيع هذا الاتفاق، يُتوقع أن تستأنف ليبيا إنتاج النفط وتصديره، مما قد يُنعش الاقتصاد ويعيد التوازن المالي إلى البلاد. إلا أن نجاح هذا الاتفاق يتوقف على مدى التزام الأطراف المختلفة بتطبيقه، خاصة في ظل الانقسامات السياسية المستمرة.
المواقف الدولية
لاقى هذا الاتفاق ترحيبًا من الأمم المتحدة ودول غربية، حيث اعتبرته خطوة نحو استعادة الاستقرار المالي في ليبيا. كانت الأمم المتحدة قد رفضت في السابق أي تحركات أحادية الجانب لتغيير قيادة المصرف المركزي، وأكدت على أهمية الحوار والتوصل إلى حلول توافقية.
كما أكد المجتمع الدولي أن نجاح هذا الاتفاق سيكون له تأثير إيجابي على سمعة ليبيا المالية، التي تأثرت سلبًا نتيجة للأزمة المستمرة. إعادة بناء الثقة بين الأطراف المختلفة واستقرار إدارة المصرف المركزي يُعدان عنصرين أساسيين لتمهيد الطريق نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
رغم هذا التقدم الملحوظ، فإن التحديات التي تواجه ليبيا لا تزال كبيرة. فالبلاد ما زالت تعاني من انقسامات سياسية عميقة، وحكومتين متنافستين تديران شؤون البلاد. إضافة إلى ذلك، يظل التوتر العسكري مستمرًا في بعض المناطق، مما يهدد بعودة الصراع في أي لحظة.
إن نجاح هذا الاتفاق يتطلب تضافر الجهود المحلية والدولية لضمان تنفيذه على أرض الواقع، وتجنب أي انحرافات قد تعيد البلاد إلى دوامة الصراع. كذلك، سيكون من الضروري مراقبة سير تطبيق الاتفاق وضمان التزام الأطراف به، خاصة في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية التي تشهدها ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011.
إن التوصل إلى هذا الاتفاق يمثل خطوة هامة نحو حل أزمة المصرف المركزي في ليبيا، لكنه ليس الحل النهائي للأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد. يظل التحدي الأكبر هو تحقيق توافق سياسي شامل يُنهي الانقسام بين الشرق والغرب، ويُعيد الاستقرار إلى كافة أرجاء البلاد. فقط من خلال الحوار والتعاون يمكن لليبيا أن تتجاوز أزمتها الراهنة وتعود إلى طريق النمو والتنمية.