اتفاق تاريخي بين مجلسي النواب والدولة لإنهاء أزمة مصرف ليبيا المركزي
تشهد ليبيا لحظة فارقة في مسيرتها السياسية والاقتصادية بعد توقيع اتفاق تاريخي بين ممثلي مجلسي النواب والدولة لإنهاء أزمة مصرف ليبيا المركزي، التي ألقت بظلالها القاتمة على الاقتصاد الليبي المتهالك منذ سنوات.
هذه الأزمة لم تكن فقط اقتصادية بل كانت تتسع لتشمل الوضع الأمني الهش والمعيشي المتردي لليبيين، في ظل الصراع المتصاعد بين الأطراف المختلفة على إدارة ليبيا.
الاتفاق جاء برعاية الأمم المتحدة، التي لعبت دور الوسيط في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة، ما أسهم في تحقيق هذا التوافق الذي يعد بمثابة خطوة جادة نحو تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي.
وأعربت. ستيفاني خوري، الممثلة الأممية، عن شكرها لكافة الأطراف في ليبيا التي ساهمت في إنجاح الاتفاق، مشيرة إلى أن مخرجات اليوم إيجابية وتبعث بالأمل في قدرة الأطراف الليبية على تجاوز التحديات عندما تكون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
ويركز الاتفاق على ضمان إجراءات شفافة لحوكمة المصرف المركزي، وتهدف إلى تعزيز استقلاليته ومنع التدخل السياسي في شؤونه.
ومن أهم بنود الاتفاق، تعيين محافظ جديد للمصرف ونائبه خلال أسبوع من توقيع الاتفاق، وتشكيل مجلس إدارة جديد خلال أسبوعين، بما يضمن قيادة رشيدة وحوكمة مستقلة بعيدًا عن التجاذبات السياسية التي عطلت عمل المصرف لسنوات.
وأكد الهادي الصغير، ممثل مجلس النواب في ليبيا، أن الاتفاق جاء نتاج مشاورات مكثفة بين المجلسين، مشددًا على أن رئيس اللجنة المالية في مجلس الدولة هو من سيوقع الاتفاق ممثلاً لأعضاء المجلس.
ورغم بعض الاعتراضات، أشار الصغير، إلى أن مجلس الدولة سيكتفي بتوقيع الأعضاء لتجنب أي شقاق داخلي يمكن أن يعكر صفو هذا التوافق.
من جانبها، شددت ستيفاني خوري، على الحاجة الملحة لفتح الحقول والموانئ النفطية في أقرب وقت، مشيرة إلى أن تعطيل الإنتاج النفطي كان أحد أكبر التحديات التي واجهت الاقتصاد الليبي.
وأعربت عن تلقيها وعودًا من الجهات الرسمية في المنطقة الشرقية بفتح الحقول والموانئ قريبًا، وهو ما يمثل خطوة هامة لاستعادة الاقتصاد الليبي عافيته.
ويعد هذا الاتفاق بمثابة "ليبي-ليبي"، كما وصفه مصباح دومة، النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، الذي أشار إلى أن الاتفاق سُيعرض في الجلسة القادمة للمجلس لاعتماده بشكل رسمي، مؤكدًا أن هذا التوافق يمثل نهاية لأزمة هددت قوت الليبيين لسنوات.
وحضور السفراء الأجانب لمراسم توقيع الاتفاق لم يكن مجرد إشارة رمزية، بل يعكس دعمًا دوليًا كبيرًا لإنهاء هذه الأزمة، وضمان تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع دون أي تعقيدات، فالاتفاق لا يمثل فقط إنهاء لأزمة اقتصادية، بل يشكل خطوة نحو استعادة السيادة الليبية على مواردها المالية، ومنع استخدامها كأداة في الصراع السياسي.
من جانبه، أكد الهادي الصغير، أن الدعم الدولي يمنح الاتفاق قوة إضافية تمنع أي خلل قد يعرقل تنفيذه، مشيرًا إلى أن دور الرئاسة في هذه المرحلة ثانوي، إذ تُمنح الصلاحيات الكاملة لمجلسي النواب والدولة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
ورغم التفاؤل الكبير الذي صاحب توقيع الاتفاق، فإن الأسئلة حول كيفية تطبيقه على أرض الواقع ما زالت قائمة، وفتح الحقول والموانئ النفطية يعد خطوة مهمة، لكن التحدي الأكبر يكمن في مدى قدرة الأطراف الليبية على الالتزام بتنفيذ كافة بنود الاتفاق، وضمان استقلالية المصرف بعيدًا عن التجاذبات السياسية التي كانت ولا تزال أحد أبرز أسباب تعثر الاقتصاد الليبي.
علاوة على ذلك، لا تزال مسألة توحيد مؤسسات الدولة تشكل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق الاستقرار الاقتصادي، فالانقسام السياسي لم ينتهِ بعد، والتحديات الأمنية لا تزال قائمة، فهل سيكون الاتفاق كافيًا لإعادة ثقة الشعب الليبي في مؤسساته؟ أم سيظل هذا الاتفاق مجرد ورقة أخرى تضاف إلى سجلات التفاهمات التي لم تُطبق على أرض الواقع؟.
أحد أهم بنود الاتفاق هو ضمان الشفافية والحكم الرشيد في إدارة المصرف المركزي، وهو ما يتطلب آليات صارمة لتنفيذه.
ويجب أن يكون مصرف ليبيا المركزي بمنأى عن التجاذبات السياسية، وأن يظل مؤسسة وطنية مستقلة هدفها الأول هو خدمة الاقتصاد الليبي. فالمصرف ليس فقط مؤسسة مالية، بل هو حجر الزاوية في استقرار البلاد بأكملها.
والاتفاق على تعيين محافظ جديد ونائب له يعكس توجهًا جديدًا نحو تحسين أداء المصرف وضمان عدم تكرار الأزمات المالية التي أرهقت الشعب الليبي لسنوات.
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في كيفية ضمان تنفيذ هذه الإصلاحات دون تدخلات خارجية أو مصالح سياسية ضيقة.
والاتفاق الذي تم توقيعه اليوم يمثل خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في ليبيا، لكنه ليس سوى بداية رحلة طويلة من التحديات التي تواجه البلاد.
فتنفيذ الاتفاق على أرض الواقع، وضمان استمرار الحكم الرشيد والاستقلالية، يتطلب إرادة سياسية قوية وتعاونًا مستمرًا بين الأطراف الليبية، والأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان هذا الاتفاق سيمثل نقطة تحول حقيقية في مسار ليبيا أم لا.
نص اتفاق مجلسي النواب والدولة بشأن أزمة مصرف ليبيا المركزي
فيما يلي ننشر نص اتفاق مجلسي النواب والدولة بشأن أزمة مصرف ليبيا المركزي:
- ترشيح ناجي عيسى لمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، ومرعي البرعصي لتولي منصب نائبه.
- تعيين المرشحين لمنصبي المحافظ ونائبه في غضون أسبوع واحد من تاريخ توقيع هذا الاتفاق ويصدر بذلك قرار من مجلس النواب.
- يتولى المحافظ في مدة أقصاها أسبوعان من تاريخ تسلم مهامه بالتشاور مع السلطة التشريعية ترشيح أعضاء مجلس الإدارة، على أن يتم تعيينهم وفقاً للتشريعات الليبية النافذة، وتبقى عضوية وكيل وزارة المالية بمجلس إدارة المصرف معلقة.
- لا يجوز للمحافظ ونائبه في غياب مجلس الإدارة ممارسة أي من الصلاحيات المخولة لمجلس الإدارة بشأن المصرف وتعديلاته.
- يلغى كل قرار صادر بشأن إدارة المصرف يتعارض مع الاتفاق السياسي الليبي وما تضمنه هذا الاتفاق.
- تعمل البعثة الأممية مع جميع الأطراف المعنية لإلغاء كافة القرارات والإجراءات التي تتعارض مع تنفيذ هذا الاتفاق.
- يعتبر هذا الاتفاق نافذاً بعد التوقيع عليه من قبل ممثلي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.