مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

حرب السودان.. صراع من أجل الشرعية على حساب المدنيين والبنية التحتية المدمرة

نشر
الأمصار

شهد السودان بين ديسمبر 2024 ويناير 2025 تصاعدًا ملحوظًا في الهجمات التي ينفذها كل من الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان. 

وأفادت مجموعة محامي الطوارئ، في تقريرها بأن مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور في السودان، تعرضت لعدة غارات جوية، أسفرت عن مقتل أكثر من 110 مدنيين، من بينهم نساء وأطفال، مما يعكس حجم المعاناة التي يتعرض لها السكان في هذه المنطقة.

في سياق متصل، استمرت قوات الدعم السريع في السودان بقصف الأحياء السكنية في مدينة أمدرمان، حيث استخدمت القصف المدفعي العشوائي، مما أدى إلى مقتل حوالي 65 شخصًا وإصابة المئات بجروح.

هذا التصعيد في الهجمات يعكس تدهور الوضع الأمني في المناطق الحضرية، حيث يعيش العديد من المدنيين في ظروف قاسية ويعانون من نقص في الخدمات الأساسية.

هجمات جوية باستخدام الطائرات المسيرة

بالإضافة إلى ذلك، بدأت قوات الدعم السريع في السودان بتنفيذ هجمات جوية باستخدام الطائرات المسيرة، مستهدفةً محطات الكهرباء والسدود، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في معظم أنحاء السودان.

هذا الانقطاع أثر بشكل كبير على الخدمات الأساسية مثل المياه والرعاية الصحية في السودان، مما يزيد من معاناة المدنيين، ووفقًا للتقرير، فإن كلا الطرفين في النزاع يستخدمان استراتيجيات قاسية تستهدف المدنيين والبنية التحتية الحيوية، مما يفاقم من الأزمة الإنسانية في السودان.

وكثف الجيش السوداني من غاراته الجوية على مدينة نيالا، التي تعتبر نقطة استراتيجية لقوات الدعم السريع في إقليم دارفور.

تقليل الدعم الشعبي

ويهدف الجيش من خلال هذه الهجمات إلى تقويض وجود الدعم السريع في المنطقة وإضعاف سيطرتها على معقلها الرئيسي، هذه الاستراتيجية تهدف إلى تقليل الدعم الشعبي الذي تعتمد عليه قوات الدعم السريع في السودان، مما قد يؤثر سلباً على قدرتها على الاستمرار في العمليات العسكرية.

في المقابل، ترد قوات الدعم السريع بهجمات مدفعية مكثفة على مدينة أم درمان، التي تقع تحت سيطرة الجيش. تستهدف هذه الهجمات منطقة ذات أهمية سياسية وعسكرية، حيث تهدف إلى تشتيت جهود الجيش وخلق ضغوط نفسية كبيرة على السكان المدنيين. تسعى قوات الدعم السريع من خلال هذه الاستراتيجية إلى إرباك الجيش وزعزعة استقراره في المناطق التي تسيطر عليها، مما يزيد من تعقيد الوضع العسكري.

ويشير التقرير إلى أن قوات الدعم السريع في السودان تستهدف السدود ومحطات الكهرباء بهدف شل قدرة المناطق الخاضعة للجيش على مقاومة الهجمات.

من خلال تدمير البنية التحتية الأساسية، تسعى هذه القوات إلى إحداث شلل اقتصادي واجتماعي، مما يؤدي إلى نزوح جماعي للمدنيين ويقوض الدعم الشعبي الذي يحتاجه الجيش للحفاظ على سيطرته، هذه الديناميكية تعكس تصاعد التوترات في الإقليم وتؤكد على تعقيد الصراع المستمر.

استهداف المواقع الحيوية

ويسعى كل طرف نحو إضعاف الآخر من خلال استهداف المواقع الحيوية وخلق أزمات إنسانية تؤثر على المدنيين وتفكك الدعم الشعبي للطرف المقابل.

ويُظهر التصعيد الأخير محاولة كلا الطرفين لتحقيق تفوق عسكري وسياسي مع تجاهل واضح للتكاليف الإنسانية والدمار الذي يلحق بالسودانيين وبمكونات البلاد الأساسية، والصراع الحالي لا يعكس فقط تنافسًا على الأراضي، بل يمثل أيضًا صراعًا من أجل كسب الشرعية والتأثير في مستقبل السودان.

تدمير البنية التحتية الحيوية

نتيجة للهجمات المتبادلة، ازدادت معاناة المدنيين بشكل كبير، حيث أسفر القصف العشوائي عن مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات والمدارس والطرق والأسواق.

وأدى هذا القصف المستمر إلى انهيار الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والمياه والغذاء، مما زاد من تفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق.

كما أن استهداف السدود ومحطات الكهرباء يزيد من تعقيد الأوضاع، حيث يعرض السكان لمخاطر الفيضانات ويؤثر على إمدادات المياه الضرورية للري والشرب، مما يهدد الأمن الغذائي بشكل مباشر.

من ناحية أخرى، أدت الضغوط الناتجة عن القصف المستمر إلى زيادة عدد النازحين، حيث اضطرّ الآلاف من المدنيين للفرار إلى مناطق أكثر أمانًا.

وتأثرت الخدمات الصحية والتعليمية بشكل خطير، كما خلقت الهجمات حالة من الذعر بين السكان، مما أدى إلى فقدان الثقة في الأطراف المتنازعة.

من منظور بيئي، تعتبر الهجمات على السدود تهديدات كبيرة قد تمتد آثارها إلى الدول المجاورة، مما يجعل الأزمة السودانية أزمة إقليمية، وتدمير المرافق العامة يسهم في استراتيجية “التجويع”، التي تهدف إلى إرهاق السكان ودفعهم للضغط على الجهة المسيطرة.

بالإضافة إلى هذه التأثيرات، فقد تسبب النزاع في آثار نفسية طويلة الأمد على المدنيين، حيث أن حالة الرعب المستمر والضغوط النفسية الناتجة عن القصف والأوضاع المعيشية الصعبة تترك آثارًا واضحة على الصحة العقلية للسكان، مما يجعلهم أكثر عرضة للاكتئاب والاضطرابات النفسية.

كما تساهم هذه الهجمات في اتساع الأزمة إلى نطاق أوسع، حيث يسعى كل طرف لاستغلال الوضع لصالحه على الصعيدين الإقليمي والدولي.

من خلال تفاقم المعاناة الإنسانية، يحاول كل طرف أن يظهر نفسه كحامٍ للمدنيين في عيون المجتمع الدولي، مما يزيد من تعقيد الوضع ويجعل الوصول إلى حل سلمي أكثر صعوبة.

وأخيرًا، فإن هذه الهجمات لا تهدد فقط الأمن الداخلي للسودان، بل قد تؤدي إلى تداعيات إقليمية خطيرة، وإن تدمير البنية التحتية الحيوية في السودان، مثل السدود ومحطات الكهرباء، قد يؤثر بشكل مباشر على الدول المجاورة، مثل مصر التي تعتمد على نهر النيل، مما يجعل النزاع السوداني خطرًا محليًا وإقليميًا في آن واحد.

وخلص التقرير إلى أن استهداف المدنيين يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وأن استهداف المرافق الحيوية مثل السدود ومحطات الكهرباء يُعتبر انتهاكًا خطيرًا لقوانين حماية الممتلكات المدنية.

كما أكدت مجموعة محامي الطوارئ، أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قد يواجهان التحقيق أمام المحاكم الدولية إذا ثبت تعمد أي منهما استهداف المدنيين أو البنية التحتية المدنية.

وفقًا لاتفاقيات جنيف، تُعتبر هذه الانتهاكات جرائم حرب، مما يتطلب من الأطراف المتنازعة تحمل المسؤولية القانونية عن أفعالهم.