رمضان في سلطنة عمان.. بين العادات العريقة والتطور الحديث

يعد شهر رمضان من الأشهر التي تحظى بمكانة خاصة في سلطنة عمان، حيث تتجلى فيه أسمى معاني الإيمان والتقوى، وتُعزز قيم التكافل الاجتماعي بين الأفراد.
التكافل الاجتماعي
ويتميز رمضان في السلطنة بمزيج من العادات والتقاليد المتوارثة، التي تُضفي عليه طابعًا فريدًا، إذ تبدأ الاستعدادات لاستقباله قبل حلوله بأيام، وتستمر الأجواء الروحانية والاحتفالية طوال الشهر، مع الحفاظ على الطقوس الدينية والاجتماعية التي تعكس أصالة المجتمع العماني.
التجهيزات لاستقبال شهر رمضان.. الأسواق تعج بالحياة رغم ارتفاع الأسعار

قبل قدوم رمضان، يشهد الشارع العماني نشاطًا ملحوظًا في الأسواق والمتاجر، حيث يتسابق الناس لشراء مستلزمات الشهر الكريم، وسط أجواء مليئة بالحماس والفرح.
وتعد الأسواق الشعبية مثل سوق مطرح، سوق نزوى، وسوق بهلاء من الوجهات المفضلة للمتسوقين، حيث تزدحم هذه الأسواق قبل رمضان بعدة أيام.
1- الزينة الرمضانية وتزيين المنازل والشوارع
مع اقتراب رمضان، تبدأ العائلات العمانية بتزيين منازلها بالفوانيس الرمضانية التقليدية، والأضواء الملونة، والزخارف التي تعكس روح الشهر المبارك.
كما تضاء المساجد بالفوانيس، وتُعلق اللافتات الترحيبية بقدوم الشهر الفضيل، مما يضفي أجواء مميزة في مختلف المدن العمانية.

2- الأسواق الشعبية والتسوق لرمضان
تعتبر الأسواق الشعبية الوجهة الأساسية للعمانيين لشراء مستلزمات رمضان، حيث تشهد إقبالًا كثيفًا على المنتجات التقليدية مثل التمور، البهارات، الأعشاب، واللحوم الطازجة.
كما يُقبل الناس على شراء الأواني الفخارية والمعدنية المستخدمة في تحضير الأطباق الرمضانية، بالإضافة إلى الملابس التقليدية، استعدادًا لعيد الفطر المبارك.

3- تأثير ارتفاع الأسعار على حركة البيع والشراء
رغم بهجة الاستعداد لشهر رمضان، إلا أن ارتفاع الأسعار يؤثر على حركة التسوق، خاصة في ظل التغيرات الاقتصادية العالمية.
ومع ذلك، يلجأ العديد من العمانيين إلى شراء المنتجات بكميات كبيرة قبل بداية الشهر، أو الاستفادة من العروض والتخفيضات التي تقدمها المتاجر الكبرى، فيما يلجأ البعض إلى التسوق الإلكتروني الذي أصبح خيارًا مفضلًا لتوفير الوقت والمال.
عادات وتقاليد رمضانية في عمان.. طقوس أصيلة لا تزال مستمرة
ويحافظ العمانيون على مجموعة من العادات الرمضانية المتوارثة التي تضفي أجواءً روحانية واجتماعية مميزة.
ورغم التطورات الحديثة، فإن بعض الطقوس الرمضانية لا تزال تحتل مكانة بارزة في المجتمع العماني، إذ يجتمع الأهل والجيران لمشاركة لحظات الإفطار، والقيام بأعمال الخير، وإحياء العبادات في المساجد.
1- عادة "القرنقشوه".. بهجة رمضان للصغار والكبار

من العادات المميزة في عمان خلال رمضان "القرنقشوه"، التي تُشبه احتفالية "حق الليلة" في الإمارات، حيث يحتفل الأطفال بهذه المناسبة بارتداء الملابس التقليدية والتجول بين البيوت لجمع الحلويات والمكسرات.
كما يحرص الجيران على تبادل الأطباق الرمضانية فيما بينهم، تعبيرًا عن روح المحبة والتعاون.
2- الإفطار الجماعي والتكافل الاجتماعي

وتعد موائد الإفطار الجماعية من أبرز التقاليد الرمضانية في عمان، حيث تجتمع العائلات في البيوت الكبيرة أو المساجد لتناول وجبة الإفطار سويًا، بينما تقوم الجمعيات الخيرية بتنظيم موائد الرحمن لتقديم الطعام للفقراء والمحتاجين.
3- صلاة التراويح وإحياء ليالي رمضان
وتمتلئ المساجد العمانية بالمصلين الذين يحرصون على أداء صلاة التراويح والقيام، وتعد جامع السلطان قابوس الأكبر في مسقط، ومسجد محمد الأمين من أبرز المساجد التي تشهد إقبالًا كبيرًا في الشهر الكريم، حيث تتجلى الأجواء الروحانية في صوت التلاوات العذبة، ودعوات المؤمنين.
المائدة العمانية في رمضان.. تنوع الأطباق بنكهات تقليدية
وتعتبر المائدة العمانية من أغنى الموائد الرمضانية، حيث تحتوي على مجموعة من الأطباق التقليدية التي توارثها العمانيون عبر الأجيال.
وتعتمد الوجبات الرمضانية على مكونات طبيعية مثل الأرز، التمر، اللحوم، والأسماك، والتي تعكس التراث الغذائي للبلاد.
1- الأكلات العمانية الشهيرة في رمضان

الهريس: طبق يتكون من قمح مطحون مطهو مع اللحم، ويقدم مع السمن البلدي لإضافة نكهة غنية.
الثريد: يعد من الأطباق الأساسية، حيث يتم تحضير مرق اللحم أو الدجاج ويُسكب فوق الخبز ليشكل وجبة مغذية ومشبعة.
المضروبة: طبق مميز يتم تحضيره بمزيج من الأرز واللحم أو الدجاج، مع مجموعة من البهارات التقليدية.
الشواء العماني: رغم ارتباطه بالمناسبات الكبرى، إلا أن بعض العائلات تحضره في رمضان، حيث يتم طهي اللحم المتبل في حفرة داخل الأرض، مما يمنحه مذاقًا فريدًا.
2- الحلويات العمانية الرمضانية
الحلوى العمانية: من أشهر الحلويات في السلطنة، وتُحضر من الطحين، السكر، المكسرات، والسمن.
اللقيمات: كرات عجينية مقلية مغموسة بالعسل أو القطر.

الخبيصة: طبق حلوى مصنوع من الطحين والسكر، ويقدم مع القهوة العمانية بعد الإفطار.
الفعاليات الدينية والثقافية في رمضان.. مزيج من العبادة والتراث
ويتميز رمضان في عمان بتنظيم العديد من الفعاليات الدينية والثقافية التي تعزز روح الشهر الفضيل.
1- المسابقات القرآنية والدروس الدينية

وتحظى مسابقات حفظ القرآن الكريم بمشاركة واسعة من مختلف الفئات العمرية، كما تنظم المساجد دروسًا دينية تهدف إلى تعزيز القيم الإسلامية، بينما تقام مجالس دينية لمناقشة السيرة النبوية وأهمية الصيام في حياة المسلمين.
2- السهرات الرمضانية ذات الطابع التقليدي
وبعد صلاة التراويح، تجتمع العائلات في المجالس العمانية لتبادل الأحاديث وتناول الحلويات، كما يتم تنظيم فعاليات تراثية تشمل عروضًا للأناشيد الدينية، وقراءة الشعر النبطي، ومناقشة القصص التاريخية.
3- الغبقة الرمضانية.. عادة تنتشر في الخليج
ورغم أن الغبقة الرمضانية عادة كويتية في الأصل، إلا أنها أصبحت شائعة في دول الخليج ومنها عمان، حيث يجتمع الأصدقاء والعائلات في وقت متأخر من الليل لتناول وجبة خفيفة قبل السحور.
رمضان بين الماضي والحاضر.. تغيرات فرضتها الحداثة
ورغم محافظة العمانيين على العديد من العادات، إلا أن التطورات الحديثة أثرت في بعض المظاهر الرمضانية:
تحول الإفطار الجماعي في بعض العائلات إلى تجمعات افتراضية عبر الإنترنت.
انتقل التسوق من الأسواق التقليدية إلى التجارة الإلكترونية.
أصبحت التبرعات والمساعدات الخيرية تُجمع إلكترونيًا عبر المنصات الرقمية.
ويظل رمضان في سلطنة عمان مميزًا بأجوائه الروحانية، وعاداته الأصيلة التي تعكس قيم الكرم، التكافل، والروحانية، ورغم تغير بعض العادات بفعل التطور، إلا أن رمضان لا يزال يحتفظ بخصوصيته الفريدة في قلوب العمانيين.