لغز اغتيال جون كينيدي يتجدد.. الكشف عن 1123 وثيقة سرية جديدة

بعد أكثر من 60 عامًا على اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، لا تزال القضية تثير الجدل وتغذي نظريات المؤامرة التي تربط مقتله بأطراف داخلية وخارجية.
ومع الكشف عن دفعة جديدة من الوثائق السرية، تجد الولايات المتحدة نفسها أمام فصل جديد من التساؤلات حول واحدة من أعقد الجرائم السياسية في القرن العشرين.
الرئيس كينيدي، الذي تولى منصبه عام 1961، كان رمزًا للتغيير والإصلاح في الولايات المتحدة، وواجه تحديات داخلية وخارجية كبرى، من بينها الصراع مع الاتحاد السوفيتي، وحركات الحقوق المدنية، والحرب الباردة.
لكن في يوم 22 نوفمبر 1963، اغتيل أثناء مرور موكبه في مدينة دالاس بولاية تكساس، حيث أصابته رصاصات أطلقها لي هارفي أوزوالد، الذي اعتُقل لاحقًا وقُتل بعد يومين أثناء نقله من مقر الشرطة.
وعلى الرغم من تحقيقات لجنة وارن، التي خلصت إلى أن أوزوالد تصرف بمفرده، فإن الشكوك حول وجود مؤامرة أوسع لم تختفِ أبدًا، بل ازدادت تعقيدًا مع ظهور أدلة وشهادات متفرقة على مدى العقود الماضية. واليوم، مع الإفراج عن 1,123 وثيقة سرية، تزداد التساؤلات حول الرواية الرسمية ومدى صحة الفرضيات التي تربط الحادث بوكالات استخباراتية وجهات خارجية.
ما الذي تكشفه الوثائق الجديدة؟

الوثائق المنشورة حديثًا تقدم تفاصيل دقيقة حول خلفية لي هارفي أوزوالد، واتصالاته مع جهات أجنبية، والمداولات الأمنية والاستخباراتية بعد الاغتيال. ومن أبرز ما كشفته:
اتصالات أوزوالد مع الاتحاد السوفيتي وكوبا
- تشير بعض الوثائق إلى أن أوزوالد، الذي انشق سابقًا وذهب إلى موسكو عام 1959، لم يكن مجرد مهاجر عاد إلى الولايات المتحدة، بل كان تحت مراقبة وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI).
- تضمنت إحدى الوثائق تقارير عن زيارته لسفارة كوبا في مكسيكو سيتي قبل شهرين فقط من الاغتيال، حيث التقى بمسؤولين كوبيين وربما تلقى دعمًا أو توجيهات معينة.
- كما كشفت المخابرات الأمريكية عن محادثة مسجلة بين أوزوالد وأحد المسؤولين السوفييت، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان مدفوعًا بأجندة خارجية أم لا.
تقارير CIA عن تحركات غامضة قبل الاغتيال
- تظهر إحدى الوثائق أن CIA كانت تراقب أوزوالد منذ عودته إلى الولايات المتحدة عام 1962، وكانت لديها تقارير عن تهديدات محتملة ضد الرئيس كينيدي، لكنها لم تتخذ إجراءات استباقية لمنعه من تنفيذ جريمته.
- وثيقة أخرى تكشف أن أحد العملاء الميدانيين حذر رؤساءه من "خطر أمني محتمل" في دالاس قبل أيام من الاغتيال، لكن هذه التحذيرات لم يُستجب لها بشكل جاد.
نظرية الجاني الوحيد تحت التشكيك مجددًا
- بينما أكدت لجنة وارن عام 1964 أن أوزوالد تصرف بمفرده، تشير بعض الوثائق الجديدة إلى أن عملاء استخبارات أمريكيين بحثوا بجدية في احتمالية تورط أطراف أخرى.
- وثيقة صادرة عن مكتب التحقيقات الفيدرالي تتحدث عن مكالمة هاتفية "غامضة" وردت إلى مكتب FBI قبل يوم من الاغتيال، حيث حذر متصل مجهول من أن "كينيدي سيتم اغتياله قريبًا"، لكن لم يتم التعامل مع البلاغ بجدية حينها.
- تتضمن إحدى الملفات شهادة عميل استخباراتي أجرى تحليلاً للرصاصة التي قتلت كينيدي، مشيرًا إلى أن زاوية الإطلاق لا تتطابق مع المكان الذي كان يقف فيه أوزوالد، ما يدعم النظرية القائلة بوجود أكثر من مسلح.
هل كان اغتيال كينيدي نتيجة لمؤامرة؟
رغم مرور عقود على الحادث، لا تزال نظريات المؤامرة تحيط باغتيال كينيدي، ومن أبرز الفرضيات التي اكتسبت شعبية:
تورط المخابرات الأمريكية
- يعتقد بعض المؤرخين أن CIA كانت تخشى سياسات كينيدي، خاصةً نيته الحد من نفوذها بعد فشل عملية غزو خليج الخنازير للإطاحة بحكومة فيدل كاسترو في كوبا عام 1961.
- هناك وثائق قديمة تشير إلى أن كينيدي خطط لتفكيك CIA وإعادة هيكلة أجهزة الاستخبارات، ما قد يكون دافعًا محتملاً وراء مقتله.
المافيا الأمريكية
- تشير بعض التقارير إلى أن المافيا كانت غاضبة من كينيدي بسبب سياسات أخيه، المدعي العام روبرت كينيدي، الذي أطلق حملات صارمة ضد الجريمة المنظمة.
- بعض الشهادات تربط اغتيال كينيدي بانتقام مافياوي خطط له زعماء الجريمة مثل سام جيانكانا وكارلوس مارسيلو.
دور محتمل للحكومة الكوبية أو السوفيتية
- في أوج الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة تسعى للإطاحة بفيدل كاسترو في كوبا، وكان كينيدي من أشد معارضيه.
- البعض يرى أن كاسترو قد يكون وراء العملية ردًا على محاولة اغتياله التي قادتها CIA عدة مرات.
ضلوع مجمع صناعي-عسكري
- هناك اعتقاد بأن جهات داخل المؤسسة العسكرية والصناعية الأمريكية أرادت التخلص من كينيدي بسبب توجهه نحو تقليص التورط العسكري الأمريكي في فيتنام.
هل يمكن أن تُغلق الوثائق الجديدة القضية؟
على الرغم من الكشف عن الوثائق الجديدة، إلا أن الحكومة الأمريكية لا تزال تحجب بعض الملفات، مما يعزز التكهنات بأن هناك معلومات لم تُكشف بعد.
وقد أعرب بعض المحللين عن اعتقادهم بأن الوثائق المسربة حتى الآن لم تكشف "تفاصيل قاطعة" تغير مجرى التحقيقات السابقة، لكنها بالتأكيد تعمّق الغموض المحيط بالقضية.
صحيفة نيويورك تايمز أشارت إلى أن الباحثين سيحتاجون سنوات لتحليل محتويات هذه الوثائق بشكل شامل، وأن الإفراج عن المعلومات "بالتقسيط" قد يكون جزءًا من استراتيجية لمنع وصول الرأي العام إلى صورة متكاملة للحادث.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستكشف الوثائق القادمة عن الحقيقة الكاملة، أم أن ملف اغتيال كينيدي سيظل مفتوحًا إلى الأبد؟