مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

رمضان في مصر حاجة تانية .. فانوس ومدفع ومسحراتي

نشر
الأمصار

يمر شهر رمضان المبارك، كالضيف الخفيف، أو كالطيف من شدة سرعته، فيبدأ الشهر بالفرحة والبهجة على كل القلوب، ولكن فجأة تجد نفسك في أخر أيامة …

ورمضان في مصر ضيف عزيز، يستقبله المصريون بفرح غامر، فهو ليس شهر للصيام والعبادة فحسب، بل موسم تزدهر فيه القيم الروحانية وتتجلى فيه التقاليد العريقة.

ويمتاز الشهر الكريم بأجوائه الإيمانية التي تجمع بين التضرع إلى الله، وقراءة القرآن، وصلاة التراويح، إلى جانب أعمال الخير والصدقات. 

وفي مصر، يحرص الناس على إطعام الصائمين عبر «موائد الرحمن» المنتشرة في الأحياء، حيث يجتمع الغني والفقير في مظهر اجتماعي يعكس روح التكافل والتآخي .

وقد تطورت الاحتفالات الرمضانية في مصر بمرور الأيام، فبات الشهر الكريم من أكثر شهور العام بهجةً، حيث تجتمع العائلات، وتتلألأ الفوانيس في الشوارع، وتنتشر الروائح الزكية لوجبات الإفطار الشهية.

ومنذ دخول الإسلام إلى مصر، كان لشهر رمضان طابع خاص، إلا أن العصر الفاطمي مثّل نقطة تحول رئيسية في الاحتفالات الرمضانية.

مع مرور الزمن، أخذت مظاهر رمضان تتطور، فظهر مدفع الإفطار وأصبح وسيلةً ينتظرها الصائمون لبدء تناول الطعام.

يمثل رمضان فرصة لترابط المجتمع المصري، حيث يجتمع الجيران والأقارب في أجواء عائلية دافئة، وتزداد الزيارات والتواصل الاجتماعي، فهو ليس طقوس دينية فحسب، بل حالة مجتمعية متكاملة، تبدأ منذ رؤية الهلال، حيث تتزين الشوارع بالفوانيس والزينات، وتدب الحياة في الحارات الشعبية والمقاهي.

عند أذان المغرب، تتجمع العائلات حول موائد الإفطار، التي لا تخلو من الشوربة، المحاشي، والسلطات، إلى جانب التمر والمشروبات الرمضانية مثل قمر الدين والعرقسوس.

وبعد الإفطار، ينطلق الرجال والشباب إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، بينما يفضل البعض السهر في الأحياء القديمة مثل الحسين وخان الخليلي، حيث تمتزج الأضواء مع رائحة البخور، وتصدح أصوات المسحراتي الذي يوقظ الناس لتناول السحور بكلمات تحمل عبق الزمن الجميل.

كما أن عادات السهر بعد الإفطار، والتي تمتاز بها الشوارع المصرية المضيئة والمفعمة بالحيوية، انتقلت إلى مجتمعات عربية أخرى.

ولا يزال الأطفال بنسبة ما، خاصة في الأحياء الشعبية، يحتفظون بفرحتهم الخاصة في هذا الشهر، حيث يجوبون الشوارع حاملين الفوانيس، مرددين الأغاني الرمضانية التي ترسّخ في قلوبهم حب هذا الشهر.

فمن مصر انتشرت العديد من مظاهر الحياة الرمضانية إلى دول أخرى، مثل مدفع الإفطار الذي أصبح تقليدًا شائعًا في بعض الدول العربية.

من أين جاءت عادات وطقوس شهر رمضان عبر التاريخ؟

مدفع رمضان

مدفع رمضان هو واحد من التقاليد الرمضانية الراسخة التى ارتبطت بشهر الصيام فى العديد من الدول الإسلامية، ويعود تاريخ بداية استخدام مدفع رمضان إلى القرن الخامس عشر الميلادى، وتحديدًا إلى عهد السلطان المملوكى خوشقدم فى مصر.

وتقول الرواية الأشهر إن السلطان خوشقدم تلقى مدفعًا جديدًا كهديّة، وفى مساء أول أيام رمضان، تم اختبار هذا المدفع عن طريق إطلاق قذيفة صادفت رفع أذان المغرب، وأعجب الناس بهذا التزامن، واعتقدوا أن السلطان تعمّد إطلاق المدفع لتنبيههم بموعد الإفطار، وبعد أن عبّر الأهالى عن سعادتهم بهذه الفكرة، أمر السلطان باستمرار إطلاق المدفع يوميًا عند حلول المغرب، ومن هنا بدأت هذه العادة.

كما توجد روايات أخرى تتحدث عن نشأة تقليد مدفع رمضان فى أزمنة مختلفة، منها أن والى مصر محمد على الكبير كان اشترى عددًا كبيرًا من المدافع الحربية الحديثة فى إطار خطته لبناء جيش مصرى قوى وفى يوم من الأيام الرمضانية كانت تجرى الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة فانطلق صوت المدفع مدويًا فى نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة فتصور الصائمون أن هذا تقليد جديد فطالبوا الحاكم باستمراره خلال شهر رمضان فى وقت الإفطار والسحور فوافق.

والرواية الثالثة كانت فى عهد الخديو إسماعيل وأثناء تنظيف الجنود أحد المدافع‏‏ انطلقت قذيفة حينها على سبيل الخطأ وقد تصادف ذلك وقت أذان المغرب فى أحد أيام رمضان فاعتقد الناس أن هذا نظام جديد من قبل الحكومة للإعلان عن موعد الإفطار‏،‏ ولما علمت فاطمة ابنة الخديو إسماعيل بهذا الأمر‏‏ أعجبتها الفكرة‏‏ وأصدرت فرمانًا ليتم استخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفى الأعياد الرسمية، وقد ارتبط اسم المدفع باسم الأميرة «مدفع الحاجة فاطمة» منذ ذلك الوقت قبل أن يشتهر بعد ذلك باسم مدفع رمضان.

ورغم اختلاف الروايات فإن هذه العادة انتشرت لاحقًا من مصر إلى العديد من الدول الإسلامية، مثل سوريا، لبنان، السعودية، والإمارات، واليوم أصبح مدفع رمضان جزءًا من الطقوس الرمضانية المحببة، على الرغم من استخدام وسائل الإعلام الحديثة فى التنبيه بمواعيد الإفطار والإمساك، وفقًا للهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

المسحراتي

المسحراتي أو المُسَحّر هو لقب يُطلق على الشخص الذى يأخذ على عاتقه إيقاظ المسلمين فى ليالى شهر رمضان لتناول وجبة السحور، والمشهور عن المسحراتى هو حمله الطبلة أو المزمار ودقها أو العزف عليه بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر.

ومع تقدم الزمن وتطور المجتمع والتكنولوجيا، بدأت هذه المهنة فى الانقراض، واختفى المسحراتى من معظم الحارات والأحياء، بعدما كان مشهورًا ومنتشرًا بقوة فى معظم الدول العربية.

وكان بلال بن رباح أول مؤذّن فى الإسلام وابن أم مكتوم يقومان بمهمّة إيقاظ النّاس للسّحور، الأول يؤذّن فيتناول النّاس السّحور، والثّانى يمتنع بعد ذلك فيمتنع النّاس عن تناول الطّعام، وفى مصر كان أول من نادى بالتسحير عنبسة ابن اسحاق سـنة ٢٢٨ هـ وكان يذهب ماشيًا من مدينة العسكر فى الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص وينادى النّاس بالسحور، وأول من أيقظ النّاس على الطّبلة هم أهل مصر، أما أهل بعض البلاد العربيّة كاليمن والمغرب فقد كانوا يدقّون الأبواب بالنبابيت، وأهل الشّام كانوا يطوفون على البيوت ويعزفون على العيدان والطّنابير وينشدون أناشيد خاصّة برمضان.

وكان المسحراتية فى مصر يطوفون فى شوارع المدينة أو القرية يرددون الأناشيد الدينية وينادون الناس ليستيقظوا طالبين منهم أن يوحدوا الله، ويضربون على «طار» ضربات متوالية حتى يسمعهم النائمون فيهبوا من نومهم لتناول السحور، وبعد أن ظهر التليفزيون بدأ انحسار مهنة المسحراتى، وكان الفنان سيد مكاوى من أشهر مسحراتية العصر الحديث. ومن العبارات المشهورة للمسحّرين قولهم: «يا نايم وحّد الدّايم يـا غافى وحّـد الله يا نايم وحّد مولاك وقوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم» و«اصحى يا نايم وحد الدايم، وقول نويت بكرة إن حييت، الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم - السحور يا عباد الله» و«يا نايم اذكر الله يا نايم وحّد الله».

فانوس رمضان

بمجرد سماعك اسم شهر رمضان يأتي في ذهنك فانوس رمضان، والذي يرتبط بذكريات وبهجة الشهر الفضيل واستخدم الفانوس فى صدر الإسلام فى الإضاءة ليلًا للذهاب إلى المساجد وزيارة الأصدقاء والأقارب وقد عرف المصريون فانوس رمضان فى الخامس من شهر رمضان عام ٣٥٨هـ ووافق هذا اليوم دخول المعز لدين الله الفاطمى القاهرة ليلًا فاستقبله أهلها بالمشاعل والفوانيس وهتافات الترحيب، وقد تحول الفانوس من وظيفته الأصلية فى الإضاءة ليلًا إلى وظيفة أخرى ترفيهية إبان الدولة الفاطمية حيث راح الأطفال يطوفون الشوارع والأزقة حاملين الفوانيس ويطالبون بالهدايا من أنواع الحلوى التى ابتدعها الفاطميون، كما صاحب هؤلاء الأطفال– بفوانيسهم– المسحراتى ليلًا لإيقاظ الناس للسحور، حتى أصبح الفانوس مرتبطًا بشهر رمضان وألعاب الأطفال وأغانيهم الشهيرة فى هذا الشهر ومنها «وحوى يا وحوى». ومع مرور الزمن تطورت صناعة الفوانيس فى مصر، وأصبحت جزءًا لا يتجزأ من الاحتفالات الرمضانية، حيث يحرص الناس على تزيين منازلهم وشوارعهم بها، احتفاءً بقدوم الشهر المبارك.

الكنافة والقطايف

حظيت الكنافة والقطايف بمكانة مهمة فى التراث المصرى والشعبى، وكانت- ولا تزال– من عناصر فلكلور الطعام فى مائدة شهر رمضان، وقد بدأت الكنافة طعامًا للخلفاء، إذ تُشير الروايات إلى أن أول من قُدم له الكنافة هو معاوية بن أبى سفيان زمن ولايته للشام، كطعام للسحور لتدرأ عنه الجوع الذى كان يحس به. واتخذت الكنافة مكانتها بين أنواع الحلوى التى ابتدعها الفاطميون، ومن لا يأكلها فى الأيام العادية لابد أن تتاح له– على نحو أو آخر– فرصة تناولها خلال رمضان، وأصبحت بعد ذلك من العادات المرتبطة بالطعام فى شهر رمضان فى العصور الأيوبى والمملوكى والتركى والحديث باعتبارها طعامًا لكل غنى وفقير مما أكسبها طابعها الشعبى. كذلك ارتبطت الأكلات الشعبية الأخرى بشهر رمضان فى مصر مثل طبق الفول المدمس والزبادى والمقبلات المتنوعة، إضافة إلى ياميش رمضان ومشروب قمر الدين المصنوع من المشمش، وكذلك بعض الفواكه المجففة كالمشمش والتين والعنب (الزبيب) والقراصيا وغيرها، حيث تتنوع طرق إعداد وتقديم هذه المأكولات التى لا يقبل عليها الناس عادة إلا فى رمضان.

خان الخليلي

تعد منطقة خان الخليلى وسكة القبوه و الحسين و شارع المعز بمحافظة القاهرة من أشهر الأماكن التى يتردد عليها الوافدين طوال شهر رمضان الكريم .

حارة خان الخليلي يتخللها محلات لبيع الملابس الفلكورية التي تلقى إقبالا كبيرا من الزوار في الأيام الأخيرة لشهر رمضان، علاوة على محلات لبيع الفوانيس بأحجام و أشكال مختلفة و غيرها من مختلف أشكال الزينة المبهجة بهذا الشهر الفضيل .

موائد الإفطار، تملأ الحارات الضيقة في وقت الإفطار ، حيث أن أي عابر سواء كان سائحًا أو غريبًا يجلس ليشارك المواطنين الأكل، في أجواء رمضانية.

الزينة التي اعتاد المصريون تعليقها مع الأيام الأولى لشهر رمضان تغزو الحارات الضيقة ، والأجواء الروحانية التي يبعثها مسجد “الحسين” لم تغب فهى تخطف قلوب زوارها.

تتوافد الأسر إلى حي الحسين طوال أيام شهر رمضان لقضاء إحدى ليالي الشهر الكريم وسط المعالم الأثرية الإسلامية القديمة والفاطمية ومنها مسجد الحسين ومنطقة خان الخليلي والجامع الأزهر وشارع المعز ومقهى الفيشاوي الشهير.

يحرص الوافدون الى شارع المعز على تناول وجبة الإفطار على المطاعم القديمة وفى نهاية يومهم يتسارعون إلى عربات الفول لتناول وجبة السحور.

وتظهر الثقافة الشعبية المصرية فى الليالي الرمضانية في رحاب مسجد الحسين للاستمتاع بالأمسيات والإنشاد الدينى أجمل ما يميز ليالي الشهر الكريم، ويستمر ذلك حتى الساعات الأولى من الصباح.

ففى حي الحسين تجد جميع أطياف الشعب المصرى من مختلف طبقاته، و تمتلئ المقاهى والشوارع بالأسر المصرية والعربية والأجنبية، ليبقى بذلك هذا الحى علامة تاريخية تحمل عبق النفحات الرمضانية الساحرة على مر العصور تاريخيا .

والخلاصة.. أن رمضان في مصر حاجة تانية فعلا، هذا واقع، فلا مقارنة بين أجواء الشهر المبارك بين حلوله في مصر وأي بلد آخر.