هل عداء الصين لفيتنام يجعل أمريكا حليف استراتيجي لها؟
أتاح فيروس كورونا معرفة الوجه الحقيقي للعلاقات بين الدول ومدي قرب البلدان من الناحية الجيوسياسية وأيضًا مدى تطابق سطح العلاقات بأعماقها بين الدول ببعضها البعض.
وأشارت بعض الدراسات المتخصصة في الشئون الآسيوية، إلى أن عدد الزيارات رفيعة المستوى أو كمية لقاحات كوفيد-19 التي تم التبرع بها بين الدول تُعد من أهم مؤشرات كشف مدى قوة العلاقات بين الدول.
وبناء على هذه المؤشرات، تعتبر فيتنام هي الأقرب إلى الولايات المتحدة، والأبعد عن الصين، بين جميع دول جنوب شرق آسيا، إذ جرت ثلاث زيارات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وفيتنام منذ بداية جائحة كورونا في أوائل عام 2020، وسيزيد هذا العدد قريبًا ليصل إلى أربع زيارات.
وسافر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى فيتنام في أكتوبر 2020، ثم تبعه مستشار الأمن القومي آنذاك روبرت أوبراين في نوفمبر 2020.
وفي يوليو الماضي، زار وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، فيتنام خلال جولة شملت ثلاث دول في جنوب شرق آسيا، من بينها سنغافورة والفلبين، كما أنه من المنتظر أن تصل نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس إلى فيتنام اليوم الثلاثاء في إطار رحلتها الأولى إلى آسيا.
ومقارنة بذلك، كانت هناك زيارتان رفيعتا المستوى بين الصين وفيتنام خلال نفس الفترة، إذ سافر وزير الأمن العام الصيني تشاو كيجي إلى فيتنام في فبراير 2021، تلاه وزير الدفاع وي فنج في أبريل الماضي. إلا أنه منذ بدء الوباء، قام وزير الخارجية الصيني وانج يي وعضو مجلس الدولة يانج جيشتي بزيارة جميع الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) باستثناء فيتنام.
وفضلًا عن الزيارات، يمكن للتبرع بلقاحات كورونا أيضًا أن يوضح مستوى العلاقات بين الدول، فحتى الآن، تبرعت الصين لفيتنام، الدولة التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 100 مليون شخص، بنحو 700 ألف جرعة، بما يشمل 500 ألف جرعة مخصصة للمواطنين الصينيين، وسكان المقاطعات المتاخمة للصين، والمسافرين الفيتناميين إلى الصين، و200 ألف جرعة للجيش الفيتنامي.
وبالمقارنة، أعطت الصين لاوس، البلد الآسيوي الذي يبلغ عدد سكانه سبعة ملايين نسمة، ما يقرب من 3 ملايين جرعة. أما بالنسبة لفيتنام، تعد الولايات المتحدة أكبر مانح لها، إذ منحتها خمسة ملايين جرعة كتبرع.
غير أن هذه المؤشرات تتعارض مع المظاهر الرسمية للعلاقات الدولية، إذ تطلق فيتنام على 14 دولة “شركائها الاستراتيجيين”، وتطلق على ثلاث دول أخرى، هي الصين وروسيا والهند، “شركاء استراتيجيون شاملون”، أما الولايات المتحدة، فتأتي في فئة منخفضة المستوى باعتبارها “شريك شامل” إلى جانب الأرجنتين والدنمارك والمجر.
وتعتبر العلاقة بين واشنطن وهانوي واحدة من أكثر العلاقات حساسية ودقة في العالم، غالبًا بسبب الأحداث التاريخية والاختلافات الأيديولوجية بينهما، إلا أن العامل الأكبر لحساسية العلاقة بين الولايات المتحدة وفيتنام هو الصين، التي تمثل عاملًا حاسمًا في العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وفيتنام.
وكانت حكومة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر قد أوقفت التطبيع مع فيتنام في عام 1978 لتهدئة الصين، مما ساعد على تأخير التطبيع إلى ما بعد الحرب الباردة. وفي أوائل القرن الحادي والعشرين، اعتبرت إدارة جورج دبليو بوش فيتنام شريكًا استراتيجيًا محتملًا لأنها اعتبرت الصين منافسًا استراتيجيًا محتملًا.
وفي عام 2008، انضمت فيتنام، بدعوة من واشنطن، إلى مفاوضات بشأن الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي المجموعة التي يُنظر إليها على أنها قوة موازنة رئيسية للقدرة الاقتصادية الصينية الطاغية.
وعرضت الولايات المتحدة رسميًا إقامة شراكة استراتيجية مع فيتنام في يوليو 2010 عندما التقت وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون بزعماء فيتناميين في هانوي. وكانت كلينتون تحضر اجتماع منتدى الآسيان الإقليمي الذي أعلنت فيه اهتمام واشنطن بحرية الملاحة والوصول المفتوح إلى المشاع البحري في آسيا واحترام القانون الدولي في بحر الصين الجنوبي.
وجاءت زيارة كلينتون إلى هانوي مرة أخرى في يوليو 2012 لتمنح فيتنام دعمًا قويًا في نزاعها مع الصين حول بحر الصين الجنوبي. كما أنها دعت رئيس الحزب الشيوعي الفيتنامي نجوين فو ترونج، الذي لم يكن له نظير في الولايات المتحدة، إلى زيارة واشنطن العام التالي.
وبينما أثار ذلك جدلًا كبيرًا داخل القيادة الفيتنامية، إلا أنهم كانوا حريصين على توسيع التعاون مع القوى الغربية العظمى، رغم قلق المناهضون للغرب من أن يؤدي ذلك إلى تآكل الشيوعية.
وبحلول عام 2018، أعطى المكتب السياسي الفيتنامي الضوء الأخضر للاستعدادات لرفع العلاقات مع الولايات المتحدة إلى شراكة استراتيجية رسمية.
وبناء على ذلك، تم التخطيط لزيارة الرئيس نجوين فو ترونج لنظيره دونالد ترامب في أواخر عام 2019، إلا أن معاناة ترونج الصحية أدت إلى تأجيل رحلته إلى أجل غير مسمى.
وحافظت فيتنام على آمالها في ترقية العلاقات مع الولايات المتحدة، إذ أشار كبار الدبلوماسيين الفيتناميين في أكثر من مناسبة علنًا إلى أن الشراكة الثنائية كانت بالفعل “استراتيجية من حيث الجوهر” على الرغم من كونها “شاملة” في الاسم.
كما أشارت إدارة بايدن إلى رغبتها في إقامة شراكة استراتيجية مع فيتنام، وحدد دليلها الاستراتيجي للأمن القومي المؤقت، الصادر في مارس 2021، فيتنام كواحدة من الدول القليلة التي ستركز واشنطن على تعميق شراكتها معها لتعزيز الأهداف المشتركة.
ويعتبر التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وفيتنام هو النتيجة المنطقية لهذا التقارب، غير أن تصنيفها الرسمي مهم للغاية، لأنه يقنن الالتزام بين الجانبين، إلا أنه سيختلف عن الحقائق غير الرسمية بسبب الحاجة إلى تقليل المخاوف الصينية.