“شارع المتنبي” أقدم شوارع مدينة بغداد وأحد أبرز معالمها
تختلط الحياة في شارع المتنبي في العراق، بألوان الطيف السحرية التي تعيش في النفوس أكثر منها على الأرض، فسوق الكتب “شارع المتنبي”، يعد من أقدم شوارع مدينة بغداد وأحد أبرز معالمها وتتصل بها سوق السراي التراثية المتخصصة أيضًا ببيع الكتب والقرطاسية.
يقع شارع المتنبي في وسط العاصمة العراقية بغداد بالقرب من منطقة الميدان وشارع الرشيد.
ويعتبر شارع المتنبي السوق الثقافي لأهالى بغداد، إذ تزدهر فيه تجارة الكتب بمختلف أنواعها ومجالاتها وينشط عادة في يوم الجمعة.
ويوجد فيه مطبعة تعود إلى القرن التاسع عشر.
كما يحتوي على عدد من المكتبات التي تضم كتبًا ومخطوطات نادرة إضافة إلى بعض المباني البغدادية القديمة، وكانت مباني المحاكم المدنية قديمًا والمسماة حاليًا بمبنى القشلة، وهي المدرسة الموفقية التي بناها موفق الخادم، وكانت هذه المدرسة في مبنى القشلة الحالي (والذي كان موضع مديرية العقاري (الطابو) ووزارة العدل في العهد الملكي)، وحاليًا هو سوق لبيع الكتب والمجلات القديمة والحديثة.
وتقع بالقرب منها، منطقة القشلة التي كانت مقرا للحكومة العراقية في العهدين العثماني والملكي، وشهدت تتويج الملك فيصل الأول سنة 1921، وتحتفظ المنطقة التي يقع فيها الشارع بمعمارها القديم، وهي خير شاهد ومعلم تاريخي لمدينة بغداد القديمة.
ويمثل شارع المتنبي، فيها رئة الثقافة العراقية، وتعد مقاهيه ملتقى الأدباء والمثقفين والكتاب والفنانين. ويمتد تاريخ شارع المتنبي إلى العصر العباسي، إذ كان يسمى بدرب زاخا وهي عبارة آرامية، وكان مشهورًا بالمؤسسات الثقافية والدينية ومنها مدرسة الأمير سعادة الرسائلي، ورباط أرجوان (أي تكية أرجوان)، وفي العهد العثماني سمي بشارع (الأكمك خانة) أي المخبز العسكري.
وفي عام 1932 وتحديدًا في عهد الملك فيصل الأول، سمّي بشارع المتنبي، تيمنًا بالشاعر الذي شغل الدنيا واللغة والناس أبي الطيّب المتنبي. ويندرج المكان حتى اليوم ضمن أهم الشوارع الثقافية في العالم، حسب تصنيف الأمم المتحدة.
والمكان لا يعتبر لمجرد عرض الكتب والبيع فقط، إذ يضم المكان نشاطات ثقافية تتعانق مع وجود الكتب على أرصفته وفي مكتبات.
ففي كل يوم جمعة، يجمع شارع المتنبي مرتاديه من المهتمين بالثقافة والأدب لتزدحم المناهج والمؤسسات الثقافية بالحوارات الثقافية حول الكتب والإصدارات الجديدة، وهذه النشاطات مشاهد ثابتة ودائمة في أركان شارع العلم.
أيضًا الشارع يفتح أذرعه لمن هم يريدون عرض مواهبهم مثل الرسم والخط والأعمال الحرفية الأخرى، كما هو الحال مع سعد ناظم، الذي يتخذ من أحد أركانه مكانًا له ويعرض صناعاته الخزفية التي يكتب عليها نصوصًا بالكتابة المسمارية، ويقول “هدفي هو تعليم الجيل الجديد هوية البلد والاهتمام بأول كتابة في التاريخ”.
أما الخطاط حسن علي، الذي يمتهن الخط منذ 45 سنة، فيستذكر معلمه القاص والأديب العراقي، فهد الأسدي، الذي أهداه علبة من الحبر مع قصبة للخط العربي لتنمية موهبة الخط لديه. ويرغب علي في أن يكمل مشوار معلمه بتلقين الأجيال الخط العربي وأنواعه، من دون أن يغفل عن الخط الديواني الذي يصفه بـ”عروس الخطوط العربية”.
وكانت قد خصصت هيئة عراقية أهلية تهتم بالشأن الثقافي مبلغ مئة ألف دولار لإعادة تأهيل شارع المتنبي بالعاصمة بغداد.[1]تم تشكيل لجنة مشتركة من وزارة الثقافة ووزارة البلديات ومجلس محافظة بغداد لإعادة أعمار شارع المتنبي وتم اعادة افتتاحه يوم الخميس الموافق 18 ديسمبر 2008، بحضور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وعدد من الأدباء والفنانين والمثقفين العراقيين.
هجمات على شارع المتنبي
تعرض شارع المتنبي كغيره من مناطق بغداد والعراق لعدة تفجيرات خلال فترة عدم الأستقرار الأمني بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م. إلا أنه تعرض يوم 5 مارس 2007، إلى هجوم بسيارة ملغمة أدى لمقتل ما لا يقل عن 30 متسوقاً وتدمير العديد من المكتبات والمباني.
حيث تم تدمير المكتبة العصرية بشكل كامل، وهي أقدم مكتبة في الشارع تأسست عام 1908.
كما تدمر مقهى الشابندر الذي يعد من معالم بغداد العريقة، إضافة إلى تدمير واحتراق العديد من المكتبات والمطابع والمباني البغدادية الأثرية في الشارع.
وفي ظل إغلاق الشارع بالكامل بسبب انتشار “كورونا” في العام الفائت، بدأ أصحاب المكتبات باكتساب رزقهم عن طريق التسويق الإلكتروني والترويج لعناوين الكتب بأسعار تنافسية، وبعضهم استثمر الجائحة وحظر التجوال لترتيب مكتباتهم وإعادة النظر في الكتب القديمة وإبرازها للجمهور.
واليوم، تشهد بغداد إعادة النبض لروح الشارع الذي بدأ يستقبل القراء من أرجاء العراق.
ويحرص عبد الله الشمري على زيارة الشارع كل يوم جمعة، إلا أن الجائحة فرضت عليه الانقطاع الإجباري، لكنه عاد إلى ممارسة هوايته المفضلة وطقسه الأثير بزيارة “شارع الثقافة” كما يسميه، بعد أن أعلنت السلطات أخيراً رفع الحظر الشامل الذي كان ليومي الجمعة والسبت.
وقال الشمري في تصريح للصحافة، إن “شارع المتنبي عاد ليتنفس من جديد، وهذه المرة عودة قوية بعد غزو جائحة “كورونا” التي فرضت حظراً للتجوال عالمياً، مما زاد من تعطش الكثير من المثقفين والرواد لزيارة شارع المتنبي”.
وأكد أن “الشارع بدأت حركته تعود من جديد إلى سابق عهده، والأيام المقبلة ستشهد إقبالاً واسعاً من قبل الكثير من الناس من أجل ممارسة نشاطاتهم المعهودة كما كانت في السابق”.
أما أبو عبد الله، وهو صاحب إحدى المكتبات فقال إن الجائحة “أثرت على سوق الكتاب”، موضحاً أن “الحركة بدأت تعود ويشد الشارع إقبالًا من الرواد بعد انقطاع عنه لفترة طويلة”.
وكان شارع المتنبي يحتضن كل يوم جمعة، العديد من النشاطات والفعاليات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كما دأب على استقبال الزوار من مختلف الفئات العمرية والشرائح المجتمعية.