مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

«موجة الجزار» تغرق إخوان مصر.. خلافات حول «التسوية» و«انقلاب» منتظر

نشر
الأمصار

لا تتوقف الأزمات داخل تنظيم الإخوان، من الانشقاقات إلى الخلافات وأخيرا اتهام القيادات بـ"العمل" لصالح السلطات المصرية، ما يدفعه إلى الهاوية.

وفي الوقت الحالي، يعيش تنظيم الإخوان على وقع أزمة داخلية جديدة فجرها حلمي الجزار، رئيس المكتب السياسي لجبهة صلاح عبد الحق (لندن)؛ إحدى الجبهات المتناحرة على قيادة التنظيم، بعد أن اقترح إجراء تسوية سياسية مع السلطات المصرية تسمح بإطلاق سراح عناصر التنظيم من السجون مقابل اعتزال المنافسة السياسية.

ومع أن هذه المبادرة سبق أن طُرحت عبر الوثيقة السياسية للجماعة إبان فترة القائم بأعمال المرشد السابق إبراهيم منير، إلا أن إعادة تسليط الضوء عليها لاقت سخطًا من كوادر الجماعة وقواعدها التنظيمية، ووصل الأمر إلى اتهام رئيس المكتب السياسي بالعمل على وأد ما تبقى من الجماعة.

وجاء الانقسام الأخير ليضرب معسكر جبهة صلاح عبد الحق (المعروفة إعلاميًا بجبهة لندن) وهي الجبهة التي تروج إلى أنها تضم الجزء الأكبر من الجماعة القديمة المنقسمة على ذاتها.

كما منحت الأزمة جبهة محمود حسين (إسطنبول) المنافسة، فرصة للطعن في المسارات التي تسلكها جبهة لندن والتأكيد على اتهام الأخيرة بأنها تريد أن تقضي على التنظيم لخدمة مصالح الحكومة المصرية.

اللقاءات السرية

حلمي الجزار، أكد في لقاء إعلامي مع شبكة "BBC"، أنه التقى أحد الصحفيين المصريين المعروفين بقربهم من دوائر الحكومة المصرية في إطار محاولته إعادة بناء الثقة مع القاهرة، لكنه تعمد ألا يذكر لقاء آخر مع باحث وإعلامي مصري جرى في لبنان قبل اندلاع الحرب الحالية، وهو ما كشفته "العين الإخبارية" في تقرير سابق.

وألمح رئيس المكتب السياسي للإخوان "جبهة لندن" إلى أن الجماعة تريد الوصول إلى تسوية سياسية لا مجرد صفقة لإطلاق سراح عناصرها، مضيفًا أنها ترحب بأي مبادرة أو جهد في هذا الصدد.

ولم يتطرق حلمي الجزار أيضًا إلى أن مقترحات الجماعة ومبادرتها رٌفضت من قبل الحكومة المصرية، بيد أنه حاول تسويق هذه المبادرة مرة أخرى ليغازل شباب الإخوان بأن لديه مشروعاً أو رؤية مستقبلية يمكن أن تؤدي إلى تحقيق نتائج.

شعار تنظيم الإخوان الإرهابي - أرشيفية

"ثقة مفقودة"

ووفقًا لمصدرين داخل جماعة الإخوان، فإن مؤيدي حلمي الجزار أنفسهم بدأوا يفقدون ثقتهم فيه لأسباب من بينها الشعور بأن مبادرة التسوية السياسية المقترحة هي "إهدار لكل جهودهم في الفترة الأخيرة التي جاءت تحت شعار تطوير الجماعة".

وقال المصدران: "بعد أن عملت لجنتا الخطة والرؤية على صياغة رؤى وخطط عملية لتطوير الجماعة وعملت عليها بالفعل وشرعت في تجميع شباب الإخوان والتأكد من التزامهم بالمهام التنظيمية الموكلة إليهم، جاءت الأحداث والطروحات الأخيرة لتكون بمثابة انقلاب على كل هذه الجهود".

وأضافا أن "هناك شعوراً في أوساط شباب الإخوان بأن القيادة الحالية غير جادة في تطوير الجماعة وإنما تريد إشغال قواعدها التنظيمية بالمهام الروتينية حتى يبقوا في حالة انهماك تشغيلي ويخضعوا لرؤية القيادة".

فيما أشار قيادي جمد عضويته بالجماعة رفض نشر اسمه لاعتبارات خاصة، إلى أن حلمي الجزار "لم يملك كل هذا الزخم من قبل وإن كان عضوا بمجلس الشورى العام".

وقال إن الجزار "خرج من مصر إلى السودان ثم الصومال ومنها إلى تركيا، وفي السودان احتك بكثير من كوادر الجماعة الذين سجلوا عليه العديد من الملاحظات تعكس عدم امتلاكه رؤية حقيقية وعدم قدرته على الإيفاء بما يتعهد به".

وأضاف أن الجزار "لم يكن له كل هذه الحيثية في تركيا عندما سافر إليها قبل فترة، بل إن بعض قيادات الجماعة استغلوا علاقتهم بالجانب التركي من أجل تسهيل إتمام الإجراءات القانونية له حتى يُمنح الإقامة على الأراضي التركية وهذا يعكس ضعفه النسبي وليس قوته كما يحاول الترويج".

قصة الصعود

وعلى صعيد متصل، جرى تصعيد الجزار لمنصبه الحالي في المكتب السياسي، لأسباب منها أنه "روج لنفسه داخل الجماعة بأن لديه علاقات بأطراف مصرية يمكن أن يستغلها لحل الأزمة التي تمر بها الإخوان منذ 2013".

كما أن إحدى القنوات السرية التي تمرر عن طريقها الرسائل من قيادات الإخوان في السجون، ادعت أن مرشد الجماعة السجين محمد بديع أوصى بالاستعانة بحلمي الجزار في الخلافات التنظيمية التي ضربت الجماعة قبل فترة، وهو ما اعتبره قادة جبهة لندن شهادة ثقة للأخير فضلا عن قربه من صلاح عبد الحق ومن قبله إبراهيم منير.

من جهته، عقد القسم السياسي بجبهة محمود حسين، لقاءً افتراضيا لبحث ما طرحه حلمي الجزار، وادعى بعض الحاضرين في الجلسة أن الأخير "يريد تنفيذ مخطط السلطات المصرية للقضاء على الجماعة وتحويلها لكيانات غير فاعلة".

وخلص القسم السياسي إلى رفض مقترح حلمي الجزار بشأن التسوية السياسية واعتباره "يناقض ثوابت الإخوان التي لم تتخل عن المنافسة السياسية"، بحسب مصدر قيادي داخل الإخوان في تصريحات صحفية.

"عيوب بنيوية"

من جانبه، قال هشام النجار، الخبير في شؤون الإسلام السياسي، إن جماعة الإخوان بشكل عام "تعيش مرحلة اللايقين والإنكار وعدم القدرة على الالتفاف حول جناح ما داخلها أو شخصية ما تنهض بتقديم طرح ورؤية موحدة من شأنها أن توحد ما تبقى من التنظيم خلفها".

وأضاف النجار في تصريحات صحفية، أن "معضلة الجماعة الرئيسية حاليا تكمن في الافتقار لشخصية قيادية تمسك بمفاصلها وتوحد رؤيتها سواء باتجاه التصعيد والعنف أو باتجاه إجراء مراجعات شاملة والتقوقع والكمون لفترة من الزمن أو باتجاه المناورة السياسية وإبداء بعض المرونة والتنازلات والانحناء لسنوات قليلة للعاصفة لحين ترتيب الأوراق وإعادة بناء التنظيم وهيكلة قيادة جديدة تحظى بولاء كل الصف في الداخل والخارج".

وتابع النجار، أن "هذا الوضع المتشظي هو ما يكرس عزلة الجماعة ويجعل أي طرح تطرحه شخصية داخلها سواء حلمي الجزار أو غيره بلا قيمة ولا تأثير".

وألمح هشام النجار، إلى أن "الوضع الإقليمي الحالي يعقد المسألة بشكل كبير ويضاعف من التشظي والعزلة والانقسام داخل الإخوان، وتبدو فيه أي عروض تصالحية مرفوضة، لانضواء الجماعة في مشاريع إقليمية غامضة بل ومدمرة يطغى عليها جانب التهور والمغامرة بل والجنون فقط لإبداء عدم الاستسلام للهزيمة".

وذكر الخبير في شؤون الإسلام السياسي، أن "بقاء الإخوان الآن مرتبط بالمنهج والأيديولوجيا فما دامت هناك عقيدة أيديولوجية عابرة للحدود، ستظل الجماعة رهن الحالة الطائفية المليشياوية التوسعية وستظل مصالح المحاور الإقليمية الأيديولوجية مقدمة على مصالح الوطن".

وذهب هشام النجار إلى أن الجماعة "لا تمتلك القدرة على توليد منهج جديد وصياغة برنامج هوياتي وطني، وما دامت كذلك فإن أي محاولة خجولة من حلمي الجزار هدفها إنقاذ ما يمكن إنقاذه ستظل قاصرة وعاجزة ولا تحظى بإجماع رغم أنها بالأساس مناورة سياسية مخادعة هدفها التقاط الأنفاس".

"منتصف العصا"؟

وفي نفس السياق، قال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، إن حلمي الجزار "ينتمي إلى جيل الحركة الطلابية الذي يضم عبد المنعم أبو الفتوح وعصام العريان وغيرهما من القيادات التي تحسب على الحالة التجديدية أو السياسية داخل الإخوان وهو شخصية تريد الوصول إلى توافق داخلي ومشهور عنه أنه يمسك العصا من المنتصف دائمًا، وهذا يرجع إلى تأثره مع جيله ورفاقه بحالة المرشد الأسبق عمر التلمساني الذي كان شخصية سياسية".

وأضاف، أن حلمي الجزار "كان يرى تخلي الجماعة عن صورتها وإطارها التقليدي والتحول لصورة الحزب السياسي، لكن مجموعته لم يكن لها التأثير الحاسم في مقابل مجموعة الصقور التنظيميين"، مشيرًا إلى أن الجزار ومجموعته "قد ينشقون عن جبهة صلاح عبد الحق بصورة التباين الفكري والمنهجي وليس بصورة الانشقاق الهيكلي، لأنه يدرك أن تأسيس أي مجموعة جديدة لن يحوز ثقة ما تبقى من قواعد الجماعة".

وأردف الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أن حلمي الجزار "سيتمسك بنهج البقاء داخل جبهة صلاح عبد الحق وسيسعى للحصول على منصب القائم بأعمال المرشد والإطاحة بصلاح عبد الحق نفسه بدلا من تشكيل مجموعة مستقلة جديدة لن تحظى بنفس رواج المجموعة أو الجبهة الحالية".

ولفت بأن إلى أن الخلافات حول التسوية السياسية مردها إلى وجود مشكلات عديدة داخل الجماعة في الوقت الحالي، متوقعا أن "لا ينجح التنظيم في تجاوز هذه الأزمة لأن كل عيوبه هى عيوب بنيوية، وسيدور دوائر مفرغة من الأزمات التي ستعصف به من آن لآخر".