مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

مدن المستقبل: كيف تواجه التحولات المناخية والأزمات الاقتصادية؟

نشر
الأمصار

هناك بعض المدن التي ستتمكن من الصمود مستقبلًا في مواجهة التغيرات المناخية، تلك هل المدن المستدامة، فكيف ستواجه تلك التحولات المناخية؟، وتتأثر المدن والمناطق الحضرية خاصة بالاحتباس الحراري، الأزمة المناخية التي يعاني منها الكوكب خلال هذه الحقبة.

ووفقًا لـ"البنك الدولي"، يعيش أكثر من 56% من سكان العالم في المدن؛ أي نحو 4.4 مليار نسمة، ومن المتوقع أنه بحلول 2050 ارتفاع تلك النسبة، بحيث يعيش في المدن 7 من كل 10 أشخاص.

وهذا يعني أنّ تهديدات آثار التغيرات المناخية قد يؤثر سلبًا على حياة تلك الفئات السكانية، صحيًا واجتماعيًا واقتصاديًا؛ خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة المستمرة؛ فقد بلغ متوسط درجات الحرارة للعام 2024 نحو 1.55 درجة مئوية أعلى من مستويات عصر ما قبل الصناعة؛ وفقًا لـ"المنظمة العالمية للأرصاد الجوية" (WMO).

ومن جهة أخرى، يتوقع "تقرير فجوة الانبعاثات للعام 2024"، الصادر عن "برنامج الأمم المتحدة للبيئة" (UNEP)، ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية بين 2.6 إلى 3.1 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

تهديدات

وفقًا لدراسة منشورة في "ذا جورنال أوف كلايمت تشانج آند هيلث" (The Journal of Climate Change and Health) في عام 2024؛ فعلى الصعيد الصحي، من المعروف أنّ التغيرات المناخية تؤثر على الصحة العامة عبر ارتفاع حالات الإصابة بضربات الشمس؛ بسبب موجات الحر.

وهناك بعض التأثيرات الأخرى، مثل سوء التغذية؛ نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتضرر المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية تزامنًا مع تبعات آثار التغيرات المناخية.

وتتضرر أيضًا مياه الشرب، وتتراجع جودة الهواء الجوي، وتنشط الأمراض المنقولة، ويتأثر الفقراء خاصة في المناطق الحضرية بالدول النامية، ومن المتوقع أن تتأثر صحتهم مع ارتفاع درجات الحرارة.

وتُشير دراسة أخرى منشورة في دورية "إنفيرونمنتال هيلث" (Environmental Health) في ديسمبر عام 2017، إلى أنّ الفجوات الاجتماعية والصحية، تُشكل التأثيرات الصحية للتغيرات المناخية.

ووجد الباحثون أنّ العُمر والحرمان الاجتماعي والتاريخ الطبي من ضمن العوامل الرئيسية التي تُعرض الناس لمخاطر التغيرات المناخية من الناحية الصحية، وتتدهور حياتهم الاجتماعية؛ فالفجوات الاجتماعية، تحد من وصول بعض الفئات إلى المياه النظيفة أو الرعاية الصحية، ولا يجدون الملاذ المناسب للهروب من تلوث الهواء، ما يؤثر سلبًا على حياتهم، ويبرز التفاوت الاجتماعي أكثر فأكثر.

من جانب آخر، تتأثر الحياة الاقتصادية سواء على مستوى الفرد أو المجتمع أو حتى العالم بأسره؛ فقد يقل الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 12%، مع ارتفاع كل درجة مئوية واحدة.

وتتمثل الخسائر الاقتصادية في خسارة البنية التحتية والأغذية، بالإضافة إلى التكاليف المرتبطة بالكوارث الطبيعية المتمثلة في الفيضانات والجفاف والأمطار الغزيرة وغيرهم. وتتأثر بعض الصناعات كالسياحة التي تُعد حجر الأساس لاقتصاد بعض البلدان.

مدن المستقبل (مصدر الصورة: كانفا)

حاجة للاستعداد

وهنا تنشأ الحاجة للاستعداد لمواجهة آثار التغيرات المناخية، وتبني استراتيجيات وخطط الصمود المناخي، عبر تعزيز آليات التخفيف والتكيف، وبناء مدن أكثر استدامة، ويمكن ذلك من خلال:

1- نقل أكثر استدامة

تُطلق وسائل النقل والمواصلات كميات هائلة من الغازات الدفيئة، لذلك، كان من الضروري تعزيز استدامة هذا القطاع عبر تشجيع المواطنين على استخدام الدراجات بدلًا من السيارات، وإدخال حافلات النقل العامة التي تعمل بالكهرباء، على سبيل المثال، خصصت العاصمة الدنماركية "كوبنهاغن" جسرًا من أجل الدراجات الهوائية.

2- تعزيز خطط التكيف

مع تواتر الظواهر الطقسية المتطرفة نتيجة للتغيرات المناخية، أصبحت المباني والبنية التحتية للمدن والمناطق الحضرية خاصة أكثر عرضة للتهديدات، ما أوّجب ضرورة دعم خطط التكيف.

وهناك العديد من الأمثلة الناجحة في هذا الصدد، على رأسها الصين التي قدمت مفهوم "المدن الإسفنجية"، وهى مدن تتمتع بمساحات مفتوحة، قادرة على امتصاص مياه الفيضانات وتخفيف حدة الآثار الناجمة عن الكوارث المناخية، لدينا أيضًا مدينة نيويورك الأمريكية، التي صممت أسطح المنازل والشوارع بطريقة يمكنها إدارة مياه الأمطار، ما يُجنبها العديد من المشكلات المرتبطة بالفيضانات.

3- الحفاظ على البشر

في ظل الكوارث المميتة والمدمرة التي تتسبب فيها آثار التغيرات المناخية، صار من الضروري تعزيز آليات للتكيف لحماية البشر خاصة كبار السن الذين يعانون من موجات الحر أو الفيضانات أو الأمطار الغزيرة، كذلك الحوامل والأطفال؛ وذلك عبر تطوير ودعم خطط الرعاية الصحية والأمان خاصة للفئات السكانية الضعيفة، إضافة إلى تحسين حياة الفقراء في المناطق الحضرية؛ فالحفاظ على البشر في المدن لا يقل أهمية عن البنية التحتية.

4- الانتقال للطاقة المتجددة

التحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، من شأنه أن يساهم في تخفيف آثار التغيرات المناخية، ودعم المدن وجعلها أكثر استدامة، وهذا ما بدأت فيه بالفعل العديد من المدن حول العالم، لعل أبرزهم: فانكوفر في كندا، برلين في ألمانيا، سيدني في أستراليا، لندن في المملكة المتحدة، أوسلو في النرويج، كوبنهاغن في الدنمارك، بالإضافة إلى بعض المدن العربية، مثل: مدينة مصدر بأبو ظبي ومدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة، مدينة الملك عبدالله الاقتصادية بالمملكة العربية السعودية، مدينة لوسيل في شمال الدوحة عاصمة دولة قطر، وغيرهم.

لن تستطيع كل المدن الصمود في مواجهة مخاطر التغيرات المناخية وتبعاتها من الأزمات الاقتصادية بالمستقبل إلا إذا كانت مستعدة لتبني استراتيجيات وخطط فعّالة مستدامة؛ تُمكنها من البقاء ودعم السكان باحتياجاتهم.