ترامب وميلوني.. التحالف المقبل عبر الأطلسي
تبدو رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني شريكا محتملا للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لإعادة تنشيط التحالف عبر الأطلسي.
فوسط حالة من عدم اليقين السياسي والتحولات الجيوسياسية في القارة العجوز، تقف إيطاليا وحدها باعتبارها الأكثر استقرارا بين أكبر 3 اقتصادات في الاتحاد الأوروبي.
ونجحت جورجيا ميلوني التي تحظى محليا بشعبية واسعة، في زيادة حصتها في التصويت بالانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة.
ومن المقرر أن تمارس نفوذًا كبيرا داخل القارة وهو ما يجعلها، إضافة إلى حسها السليم واتجاهها المحافظ، شريكا طبيعيا لإدارة ترامب المقبلة، وذلك وفقا لما ذكره موقع "ناشيونال إنترست".
وتحظى إيطاليا بأهمية استراتيجية واضحة، فهى تقع عند مفترق طرق البحر الأبيض المتوسط، ترسي الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتعمل كبوابة إلى أفريقيا، كما أنها على استعداد لقيادة مشاركة أوروبا في شبكة التجارة الهندية المتوسطية.
ومع تشتت ألمانيا وفرنسا بسبب الانقسامات الداخلية، تشير الجغرافيا والسياسة والتوقيت إلى روما وواشنطن كركائز للتضامن المتجدد عبر الأطلسي والذي تدعمه المصالح والآفاق المشتركة.
4 مجالات
في هذا الإطار، هناك 4 مجالات واعدة للتقارب الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيطاليا، فينبغي أولا لكلا البلدين الالتزام بتعميق وتوسيع العلاقات البنيوية المتنامية بين الصناعات في البلدين.
وفي الفترة بين عامي 2017 و2023، ارتفعت القيمة الإجمالية للتجارة بين البلدين من 64 مليار دولار إلى 102 مليار دولار.
ومنذ عام 2019، أصبحت الولايات المتحدة وجهة رئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر الإيطالي، ونما الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي في إيطاليا بنسبة 14% خلال نفس الفترة، ليبلغ 29 مليار دولار.
6000 شركة إيطالية في الولايات المتحدة
وتعمل نحو 6000 شركة إيطالية في الولايات المتحدة، وتوظف نحو 300 ألف عامل، وتتركز في نيويورك وفلوريدا، وتشمل القطاعات الرئيسية التي تجتذب الاستثمارات الصناعية المشتركة بين البلدين التصنيع المتقدم، والطاقة، والفضاء، وعلوم الحياة، والأغذية والمشروبات.
وتمتلك شركات مالية أمريكية حصصاً كبيرة في البنوك وصناعات الدفاع والطاقة والاتصالات في إيطاليا، كما تعمل شركات أمازون ومايكروسوفت على توسيع دور روما كمركز بيانات رئيسي في جنوب أوروبا والبحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا، إضافة إلى الاستثمارات في قطاع الأدوية.
كما أن هناك مستقبلا واعدا للتعاون بين البلدين في مجال الفضاء في ضوء الحوار الاستراتيجي الافتتاحي حول الفضاء.
ثانياً، ينبغي لروما وواشنطن تعزيز الشراكة الدفاعية بينهما بشكل كبير وتتمتع شركات تصنيع الدفاع الأمريكية مثل بوينغ، ولوكهيد مارتن، ونورثروب جرومان بحضور قوي في إيطاليا، في حين تدير شركات إيطالية مثل «فينكانتييري» و«ليوناردو» مرافق تصنيع في الولايات المتحدة.
ويقدم هذا التبادل أساسًا متينًا لإيطاليا لإظهار التزامها الموثوق به كشريك دفاعي قوي للولايات المتحدة، وهو ما يمكن تعزيزه مع وفاء روما بالتزامها تجاه «الناتو» بإنفاق 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، مع جدول زمني واضح لزيادته إلى 3٪ في المستقبل القريب.
وستستفيد الصناعة الإيطالية من زيادة الإنفاق الدفاعي الذي يعزز أيضا مكانة روما في أوروبا وتجعلها الفاعل الأول في الناتو الذي يحرس الجناح الجنوبي للحلف.
كما أن شركات تصنيع الدفاع الإيطالية، لديها بصمة كبيرة في الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، مما يجعلها في وضع جيد للمساهمة في تلبية متطلبات الأمن.
ثالثا، ينبغي للبلدين التعاون من أجل ربط المساحات الحرة والمفتوحة في المحيطين الهندي والهادئ والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي لتعزيز المصالح المشتركة.
ويمكن لإيطاليا استعادة إرثها التاريخي كمرساة للتجارة والتبادل التجاري بين الهند وأوروبا ورائدة في فتح الأسواق الغربية.
وتمثل شركة الشحن المتوسطية، التي أسسها ويقودها قبطان إيطالي، 20% من حركة الملاحة البحرية العالمية، وهي الأكبر في العالم كما تستعد لبلوغ مستويات جديدة من البحر الأبيض المتوسط كجسر بين المحيط الأطلسي والمحيطين الهندي والهادئ.
وبعد خروج إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق الصينية، أعادت تموضعها لإحياء أقدم الطرق التجارية الهندية الأوروبية وأكثرها أهمية وتشكل مدينة ترييستي، التي تربط أوروبا بالهند ودول الخليج، عنصرا أساسيا فيه.
رابعا، يمكن أن تلعب روما دورا مهما لضمان موقف موحد بين أوروبا والولايات المتحدة لمواجهة العلاقة بين الصين وروسيا، حيث عملت ميلوني بفعالية لبناء الجسور مثلما فعلت بين بروكسل وبودابست من أجل ضمان الدعم الأوروبي الثابت لأوكرانيا.
مهارات ميلوني
ستكون مهارات ميلوني في الوساطة أكثر أهمية في التوفيق بين النزاعات الجمركية المحتملة بين واشنطن وبروكسل وصياغة قضية مشتركة ضد الخصوم مثل الصين وروسيا.
وخلال الفترة المقبلة، ستعترف روما وواشنطن بآفاق وأولويات كل منهما المشتركة، مما يمهد الطريق لإجراءات تحقق المنفعة المتبادلة في إطار سياسة "أمريكا أولاً" و"إيطاليا أولاً" الراسخة في تحالف قوي ومستقر عبر الأطلسي.
ويجب على ميلوني دعوة ترامب، لجعل روما وجهته الأوروبية الأولى، وإطلاق أجندة أمريكية إيطالية طموحة تعزز إرثهما لعقود قادمة.